ثم ناول كلّ
واحد منهما كأسا، و أخذ هو الكأس الثالث [2] الذي في يد الجارية و قال: هلمّ نشرب
على ريقنا قدحا. ثم دعا بالطعام فأكلنا، و وضع النبيذ فشربنا، و غنّياه و غنّاهما
و ضربا معه و ضرب معهما، و غنّت الصبيّة، فطرب أبي و قال لها: أحسنت أحسنت!. فقال
له إبراهيم: إن كانت أحسنت فخذها، فما أخرجتها إلّا لك.
شكت إليها أم
جعفر انقطاع الرشيد فقالت شعرا و غنت به فرجع إليها:
أخبرني عليّ بن
صالح بن الهيثم و إسماعيل بن يونس قالا حدّثنا أبو هفّان قال:
أهديت إلى الرشيد
جارية في غاية الجمال و الكمال، فخلا معها يوما و أخرج كلّ قينة في داره و اصطبح،
فكان جميع من حضره من جواريه المغنّيات و الخدمة في الشراب زهاء ألفي جارية في
أحسن زيّ من كلّ نوع من أنواع الثياب و الجوهر. و اتّصل الخبر بأمّ جعفر فغلظ
عليها ذلك، فأرسلت إلى عليّة تشكو إليها. فأرسلت إليها عليّة: لا يهولنّك هذا، فو
اللّه لأردنّه إليك، قد عزمت أن أصنع شعرا و أصوغ فيه لحنا و أطرحه على جواريّ،
فلا تبقى عندك جارية إلّا بعثت بها إليّ و ألبسيهنّ ألوان الثياب ليأخذن الصوت مع
جواريّ، ففعلت أمّ جعفر ما أمرتها به عليّة. فلما جاء وقت صلاة العصر لم يشعر
الرشيد إلا و عليّة قد خرجت عليه من حجرتها، و أم جعفر من حجرتها معها زهاء ألفي
جارية من جواريها و سائر جواري القصر، عليهنّ غرائب اللباس، و كلهنّ في لحن واحد
هزج صنعته عليّة:
صوت
منفصل عنّي و ما
قلبي عنه منفصل
يا قاطعي اليوم لمن
نويت بعدي أن تصل
/ فطرب الرّشيد و قام على رجليه حتى استقبل أمّ
جعفر و عليّة هو على غاية السرور، و قال: لم أر كاليوم قطّ. يا مسرور لا تبقينّ في
بيت المال درهما إلا نثرته. فكان مبلغ ما نثره يومئذ ستة آلاف ألف درهم، و ما سمع
بمثل ذلك اليوم قطّ.
كانت تحب لحن
الرمل:
أخبرني عليّ بن
سليمان الأخفش قال/ حدّثني محمد بن يزيد المبرّد قال:
كانت عليّة
تقول: من لم يطربه الرمل لم يطربه شيء. و كانت تقول: من أصبح و عنده طباهجة [3]
باردة و لم يصطبح فعليه لعنة اللّه.
[1]
كذا في ح. و في أ، م: «فأهلا له». و في ب س: «فخير لكم».