ورد أبو النّجم
على هشام/ بن عبد الملك في الشعراء. فقال لهم هشام: صفوا لي إبلا فقطّروها [1] و
أوردوها و أصدروها حتى كأنّي أنظر إليها. فأنشدوه و أنشده أبو النّجم:
الحمد للّه الوهوب المجزل
حتى بلغ إلى
ذكر الشمس فقال «و هي على الأفق كعين ...» و أراد أن يقول «الأحول» ثم ذكر حولة
هشام فلم يتمّ البيت و أرتج عليه. فقال هشام: أجز البيت. فقال «كعين الأحول» و
أتمّ القصيدة. فأمر هشام فوجئ [2] عنقه و أخرج من الرّصافة، و قال لصاحب شرطته: يا
ربيع إيّاك و أن أرى هذا!، فكلّم وجوه الناس صاحب الشّرطة أن يقرّه ففعل، فكان
يصيب من فضول أطعمة الناس و يأوي إلى المساجد. و قال الزّبير في خبره قال أبو
النّجم: و لم يكن أحد بالرّصافة يضيف إلّا سليم بن كيسان الكلبيّ و عمرو بن بسطام
التّغلبيّ، فكنت آتي سليما فأتغدّى عنده، و آتي عمرا فأتعشّى عنده، و آتي المسجد
فأبيت فيه. قال: فاهتمّ هشام ليلة و أمسى لقس النّفس/ و أراد محدّثا يحدّثه، فقال
لخادم له: ابغني محدّثا أعرابيّا أهوج شاعرا يروي الشعر. فخرج الخادم إلى المسجد
فإذا هو بأبي النّجم، فضربه برجله و قال له: قم أجب أمير المؤمنين. قال: إنّي رجل
أعرابيّ غريب.
قال: إيّاك
أبغي، فهل تروي الشعر؟ قال: نعم و أقوله. فأقبل به حتى أدخله القصر و أغلق الباب،
قال: فأيقن بالشرّ ثم مضى به فأدخله على هشام في بيت صغير، بينه و بين نسائه ستر
رقيق و الشّمع بين يديه تزهر [3]. فلما دخل قال له هشام: أبو النّجم؟! قال: نعم يا
أمير المؤمنين طريدك. قال: اجلس. فسأله و قال له: أين كنت تأوي و من كان ينزلك؟
فأخبره الخبر. قال: و كيف اجتمعا لك؟ قال: كنت أتغدّى عند هذا و أتعشّى عند هذا.
قال: و أين كنت
تبيت؟ قال: في المسجد حيث وجدني رسولك. قال: و مالك من الولد و المال؟ قال: أمّا
المال فلا مال لي، و أمّا الولد فلي ثلاث بنات و بنيّ يقال له شيبان. فقال: هل
زوّجت [4] من بناتك أحدا؟ قال: نعم زوّجت اثنتين، و بقيت واحدة تجمز [5] في
أبياتنا كأنّها نعامة. قال: و ما وصّيت به الأولى؟- و كانت تسمّى «برّة» بالراء-
فقال: