المطبخ،
فذكر أشياء يسيرة، منها قطعة جدي و طباهج [1] و درّاج معلّق. فقال: ما أريد غير
ذلك، هاته الساعة.
فقلت للطبّاخ:
عجّل بإحضاره، و عملت على الأكل معه و على أن نأخذ في شأننا. فدخل حاجبي فقال:
رسول الأمير إسحاق [2] بن إبراهيم بالباب، و إذا فرانق يذكر أنه وجّه به إلى محمد
بن الفضل ليحضره. قال فقال لي إسحاق: قم في حفظ اللّه و اجتهد في أن تتعجّل. قال:
فتقدّمت إلى الخادم بإخراج الجواري إليه و وضع النّبيذ بين يديه، و لبست ثيابي و
خرجت و ركبت. فلمّا سرت قليلا قلت في نفسي: أنا أخسر النّاس صفقة إن تركت إسحاق بن
إبراهيم الموصليّ في منزلي و مضيت إلى إسحاق بن إبراهيم المصعبيّ، و لا أدري ما
يريد منّي. فقلت لفرانق: هل لك في خير؟ قال: و ما هو؟ قلت: تأخذ ثلاثين درهما و
تمضي فتقول: إنك وجدتني شارب دواء.
قال نعم. فدفعت
إليه ثلاثين درهما، و ختمت له ختما و رجعت. فقال لي إسحاق: أسرعت الكرّة، فأخبرته
بما صنعت؛ فقال وفّقت. فجلست و كان يأكل فأكلت معه، فأخذنا في شأننا. و خرج
الجواري إليه فغنّين حتى مرّ صوت إبراهيم بن المهديّ في شعره و هو:
جدّد الحبّ بلايا
أمرها ليس يسيرا
/- و لحنه من الثّقيل الثاني- قال: فطرب إسحاق
طربا ما رأيته طرب مثله قطّ، و عجب من إحسانه في صنعته و جودة قسمته، و لم يزل
صوتنا يومنا أجمع لا نغنّي غيره حتى شرب إسحاق قطر ميزة [3]، و فيه من المشمّس [4]
الذي كان يشربه ثلاثة عشر رطلا، و كلّما حضرت صلاة قام إسحاق يصلّي بنا، فصلّى بنا
العتمة و قد فني قطر ميزه فشرب من نبيذي رطلين على الصوت. قال: و كان محمد بن
الفضل ينزل بسوق الثلاثاء و إسحاق ينزل على نهر المهديّ. و قد وزّر محمد بن الفضل
للمتوكّل قبل عبيد اللّه بن يحيى.
أخبرني محمد بن
يحيى الصّوليّ قال حدّثني محمد بن موسى بن حمّاد قال حدّثني عبد الوهّاب بن محمد
بن عيسى قال:
[1]
الطباهج: الكباب. (فارسي معرب). و الدراج: ضرب من الطير يطلق على الذكر و الأنثى.
[2] هو إسحاق
بن إبراهيم المصعبي حاكم بغداد في أيام المأمون و المعتصم و الواثق، و هو من أرباب
المكانة العالية في الرواية و الأدب و نقد الغناء. (انظر الحاشية رقم 1 من كتاب
«التاج» للجاحظ ص 31).