بل ظاهرة فيها محتملة للخصوص. و إذا كان كذلك لم يكن التمسّك بها
في القطع على الوعيد. و أيضا فهى معارضة بآيات الوعد، و لا طريق إلى التوبة إلّا
ما ذكرنا.
أقول: لفظة «على»
تفيد معنى «مع» كما في قول الشاعر:
على أنّنى راض بأن أحمل الهوى
و
أخلص منه لا عليّ و لا ليا
«وَإِنَّ رَبَّكَ
لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ» يعنى مع ظلمهم. و اسقاط
العقاب عن صاحب الصغيرة قبل التّوبة و عن صاحب الكبيرة بعد التوبة ليس بواجب في
نفس الأمر إنّما صار واجبا، لانّ اللّه تعالى وعد بذلك. و وعده بذلك و وفاؤه بما
وعد هو المغفرة و هو العفو، و نفس قبول التوبة هو العفو بعينه. و التوفيق بين بعض
الآيات ممكن. أمّا بين الحكم بخلود القاتل في النار و بين الحكم بخلود المؤمن في
الجنّة إذا كان القاتل مؤمنا مشكل، و لا خلاص منه إلا بالتأويل. و هو إمّا بجعل
القاتل ممن لا يؤمن، او باخراج المؤمن عن كونه مؤمنا بسبب القتل، او حمل الخلود
على الزمان الطويل.
قال:
مسألة وعيد الكافر المعاند دائم و القاصر معذور
أجمعوا على أنّ وعيد الكافر المعاند دائم. أمّا الكافر الّذي بالغ
في الاجتهاد و لم يصل إلى المطلوب، فقد زعم الجاحظ و العنبرى من المعتزلة أنّه
معذور، لقوله تعالى:
«ماجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ،و الباقون أبوه و
ادّعوا فيه الاجماع».
أقول: المبالغ في الاجتهاد إمّا أن يصير و اصلا او يبقى ناظرا، و كلاهما
ناجيان و محال أن يؤدى الاجتهاد إلى الكفر. فالكافر إمّا مقلّد للكفر و إمّا جاهل
جهلا مركّبا، و كلاهما مقصّران في الاجتهاد، و لذلك حكموا بوقوعهم في العذاب. و
قوله تعالى
«ماجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» خطاب إلى أهل الدين، لا
إلى الخارجين منه او الذين لم يدخلوا فيه.
قال:
تلخيص المحصل النص 401 القسم الثالث في الاسماء و الاحكام
..... ص : 401