لا نزاع في أنّ الايمان في أصل اللغة عبارة عن التصديق، و في الشرع
عبارة عن تصديق الرسول بكلّ ما علم مجيئه به، خلافا للمعتزلة فانّهم جعلوه اسما
للطاعة و للسلف [و أمّا السلف] فانّهم قالوا: إنّه اسم للتصديق بالقلب، و
الاقرار باللسان، و العمل بالأركان.
أقول: ينبغى أن يزاد في قوله بكلّ ما علم مجيئه به «بالضرورة» لأنّ المسائل المختلف فيها
إذا علم عالم بالنظر الدقيق و الاجتهاد البالغ مجىء الرسول صلّى اللّه عليه و آله
بأحد طرفيها فليس له أن يكفّر مخالفه من مجتهدى أهل القبلة على مخالفته في ذلك، [و
لعلّ هذه اللفظة وقعت من هذه النسخة، فانّه أوردها فيما بعد] و المعتزلة لم يجعلوا
الايمان اسما للطاعات وحدها، بل جعلوه اسما للتصديق باللّه و برسوله و بالكفّ عن
المعاصى، فإنّ من صدّق باللّه و رسوله و مات قبل أن يشتغل بطاعة مات بالاجماع
مؤمنا. و سيجيء قولهم في اصول الدين.
قال:لنا أنّ هذه الطاعات لو كانت جزءا من مسمّى الايمان شرعا لكان تقيد
الايمان بالطاعة تكريرا و بالمعصية نقضا، و لكنّه باطل بقوله تعالى: «الَّذِينَآمَنُوا وَ
عَمِلُوا الصَّالِحاتِ»و بقوله تعالى: «الَّذِينَآمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ»