بهذا الكلام، و إنّما قالوا بحدوث الكلام الذي يكون حروفا و صوتا.
فإذا ثبت ذلك، فلو قلنا بحدوث هذا الكلام، كان قولا ثالثا، و هو خرق الاجماع، و هو
باطل.
الثاني و هو أن الكلام لو كان محدثا لكان إمّا أن يحدث في ذات
اللّه تعالى فيكون اللّه تعالى محلّا للحوادث، و هو محال، او لا يحدث فيها و هو
محال، لأنّ كون اللّه تعالى متكلّما قد دللنا على أنّه من صفاته. و صفة الشيء
يستحيل أن لا تكون حاصلة فيه و إلّا لجاز أن يكون الجسم متحركا بحركة قائمة
بالغير، و ذلك محال. و احتجوا بامور: أحدها أنّ الأمر بلا مأمور عبث، و هو غير
جائز على اللّه تعالى. و ثانيها أنّه تعالى في الأزل لو كان متكلّما بقوله: «إِنَّاأُرْسِلْنا»و هو إخبار عن
الماضي، لكان كاذبا. و ثالثها أنّ الأمة مجمعة على أنّ كلام اللّه ناسخ و منسوخ، و
سور و آيات، و ذلك من صفات المحدثات.
و الجواب عن الأوّل أنّ عبد اللّه بن سعيد ذهب إلى أنّ كلام اللّه
تعالى و إن كان قديما لكنّه ما كان في الأزل أمرا، و لا نهيا، و لا خبرا، ثمّ صار
فيما لا يزال كذلك. و هذا في غاية البعد، لأنّا لما وجدنا في النفس طلبا و اقتضاء
و بيّنا الفرق بينه و بين الإرادة أمكننا بعد ذلك أن نشير إلى ماهيّة معقولة و
ندّعى ثبوتها للّه تعالى.
فامّا الكلام الذي يغاير هذه الحروف و الأصوات و يغاير ماهيّة
الأمر و النهى و الخبر فغير معلوم التصوّر، فكان القول بثبوته للّه تعالى في الأزل
محض الجهالة.
و أمّا جمهور الأصحاب فقد زعموا أنّ كلام اللّه تعالى كان أمرا و
نهيا في الأزل.
ثمّ منهم من يقول: المعدوم مأمور على تقدير الوجود. و هذا في غاية
البعد، لأنّ الجماد إذا لم يجز أن يكون مأمورا، فالمعدوم الذي هو نفي محض كيف يعقل
أن يكون مأمورا.
و منهم من قال: إنّه كان في الأزل أمرا من غير مأمور، ثمّ لمّا
استمرّ و بقى صار المكلّفون بعد دخولهم في الوجود مأمورين بذلك الأمر. و ضربوا له
مثالا، و هو أنّ الانسان إذا أخبره النبيّ الصادق بأنّ اللّه تعالى سيرزقه ولدا و
لكن يموت