لا يجوز ان يكون البارى تعالى مريدا بإرادة حادثة، خلافا للمعتزلة
و الكراميّة. امّا عند المعتزلة فهو تعالى مريد بإرادة محدثة لا في محلّ. و امّا
عند الكراميّة فهو مريد بإرادة يخلقها تعالى في ذاته. لنا انّ إحداث الشيء لا يصح
إلّا بالارادة، على ما تقدّم. فلو كانت الإرادة حادثة لافتقرت إلى إرادة اخرى و
لزم التّسلسل.
أقول: لهم ان يقولوا عليه، إنّكم أبيتم الإرادة لترجّح احد وقتى الايجاد
على سائر اوقاته، و جوّزتم أنّ للقادر ان يرجّح احد مقدوريه على الآخر من غير
مرجّح، فلم لا يجوز ان يصدر عن القادر إرادة بلا مرجّح، ثمّ تصير تلك الإرادة
مرجّحة لما عداها، فلا يلزم التّسلسل.
قال:
مسألة كلام اللّه تعالى قديم خلافا للمعتزلة و الكرامية
كلام اللّه تعالى قديم، خلافا للمعتزلة و الكراميّة. و اعلم أنّ
الجمهور منّا يعتقدون أنّ المعتزلة يوافقوننا في كونه تعالى متكلّما، و يخالفوننا
في قدم الكلام.
فأمّا نحن قد بيّنا أنّ الذي يقول المعتزلة فنحن نقول به من حيث
المعنى، و الذي نقول به فهم لا يقولون به البتة. فاذا حاولنا مكالمة المعتزلة وجب
علينا أن نحقّق ماهيّة الكلام، ثمّ نقيم الدلالة على أنّ اللّه تعالى موصوف بها،
ثمّ نقيم الدلالة على قدمها، فانّهم يخالفوننا في المواضع الثلاثة فنقول: أمّا
المقامان الأوّلان و هما المقامان الصعبان مع المعتزلة فقد تقدّم القول فيهما.
و أمّا المقام الثالث فالدليل عليه من وجهين: الأوّل أنّ القائل
قائلان: قائل اعترف بكون اللّه تعالى موصوفا بهذا الكلام، و قائل أنكر ذلك. و كلّ
من اعترف به قال: إنّه قديم، لأنّ المعتزلة و الكراميّة لم يعترفوا بكون اللّه
تعالى موصوفا