بدلا عن الجمع بين السواد و البياض يستدعى امتياز أحدهما عن الآخر.
و لأنّ كونه قادرا على إيجاد الحركة بدلا عن السّكون و بالعكس يستدعى امتياز كلّ
واحد منهما عن الآخر، فانّ التردّد بين الشيئين يتوقّف على مغايرتهما. فثبت أنّه
لا بدّ من التميّز، و كلّ متميّز ثابت، فاذن تعلّق القدرة به يتوقّف على ثبوته في
نفسه، فلو كان ثبوته لأجل القدرة لزم الدور، و لزم إثبات الثابت و ذلك محال.
فان قلت: شرط التعلّق تحقّق الماهيّة، و الحاصل من التعلّق هو
الوجود. قلت:
فالذات لمّا كانت متقرّرة قبل التعلّق لم تكن مقدورة، لأنّ إثبات
الثابت محال، فالمتعلّق هو الّذي ليس بثابت، و هو إمّا الوجود، او موصوفيّة الذات
بالوجود.
لكن ذلك محال، لأنّا بيّنا أنّ المتعلّق متميّز، و المتميّز ثابت.
فاذن ما ليس بثابت فهو ثابت، هذا خلف.
الثالث:لو كان قادرا من الأزل إلى الأبد، ثمّ إذا أوجد لم يبق مقدورا
لاستحالة إيجاد الموجود، فذلك التعلّق القديم قد فنى، و عدم القديم محال.
الرابع:إذا قلنا: القادر يمكنه أن يوجد، فالموجوديّة ليست عبارة عن نفس
الأمر. أمّا أوّلا فلأنّ الموجديّة صفة للموجد، و الأثر قد لا يكون صفة له، فانّ
العالم ليست صفة للّه تعالى. و أمّا ثانيا فلأنّا إذ قلنا: الأثر إنّما وجد
بالقادر، لأنّ القادر أوجده، فلو كان المفهوم من قولنا «أوجده» نفس وجود الأثر
لكنّا قد قلنا: إنّما وجد الأثر، لأنّه وجد الأثر، فيكون الحاصل أنّه وجد الأثر،
لأنّه وجد الأثر، فيكون الحاصل أنّه وجد الأثر بنفسه، و ذلك محال. فظهر أنّ
الموجديّة صفة الموجد، فهى إن كانت ممكنة الوجود واقعة بالقادر المختار عاد
التقسيم فيه. و إن كانت واجبة وجب وجود الأثر، لأنّ الموجديّة بدون وجود الأثر
البتة محال عقلا. فثبت أنّ المؤثّر لا يفعل إلّا على سبيل الايجاد.
جواب المعارضات على قدرة مدبر العالم
و الجواب: قوله: «إنّمالم يوجد العالم في الأزل لاستحالة وجوده أزلا»،