لأنّ الترك عدم، و العدم نفى محض. و لا فرق بين قولنا «لميكن مؤثّرا» و
بين قولنا «أثّرفيه تأثيرا عدميّا» و لأنّ قولنا «ماأوجده» معناه
أنّه بقى على العدم الأصلي. فاذا كان العدم الحالىّ عين ما كان استحال استناده إلى
القادر، لأنّ تحصيل الحاصل محال، فثبت أنّ الترك غير مقدور. و إذا كان كذلك استحال
أن يقال:
القادر هو الّذي يكون متردّدا بين الفعل و الترك. فان قلت: الترك
هو فعل الضدّ، فالقادر متردّد بين فعل الشيء و بين فعل ضدّه. قلت: فيلزمك أن لا
يخلو القادر عن فعل أحد الضدّين، فيلزمك إمّا قدم العالم او قدم ضدّه، و أنت لا
تقول به.
النوع الثانىسلّمنا أنّ القادر في الجملة معقول، لكن تعذّر إثباته هنا، لوجوه
أربعة:
الأوّل-و هو أنه تعالى لو كان قادرا لكانت قادريّته إمّا أن تكون أزليّة
او لا تكون. و الأوّل محال، لأنّ التمكّن من التّأثير يستدعى صحّة الأثر، لكن لا
صحّة في الأزل، لأنّ الأزل عبارة عن نفى الأوليّة. و الحادث ما يكون مسبوقا
بالأوّل، و الجمع بينهما [متناقض] محال. و الثانى محال، لأنّ قادريّته إذا لم تكن
أزليّة كانت حادثة فافتقرت إلى مؤثّر، فان كان المؤثر مختارا عاد البحث كما كان، و
إن كان موجبا كان المبدأ الأوّل موجبا. فان قلت: إنّه في الأزل يمكنه الايجاد فيما
لا يزال، و حاصله أنّ امتناع الأثر عند قيام المقتضى قد يكون لحضور المانع. قلت:
المانع إن كان ممكن الزوال لذاته، [فليفرض ارتفاعه و حينئذ يصحّ الفعل الأزلىّ،
هذا خلف. و إن كان ممتنع الزوال لذاته] وجب أن يكون كذلك أبدا، إذ لو جاز أن
ينقلب لجاز أن يقال: العالم كان ممتنعا لذاته، ثمّ انقلب واجبا.
الثانى-أنّ مقدور القادر لا بدّ و أن يتميّز عن غيره، لأنّ اقتدار القادر
عليه نسبة بين القادر و بينه، و ما لم يتميّز المنسوب إليه عن غيره استحال اختصاصه
بتلك النسبة دون غيره، و لأنّ تمكّن القادر من الجمع بين الحركة و السواد