و الحقّ أنّ البارى تعالى ليس بزمانىّ، و الزمان من مبدعاته و الوهم
يقيس ما لا يكون في الزمان على ما في الزمان، كما مرّ في المكان، و العقل كما يأبى
عن إطلاق التقدّم المكانىّ على البارى كذلك يأبى عن إطلاق التقدّم الزمانى عليه،
بل ينبغى أن يقال: إنّ للبارى تعالى تقدّما خارجا عن القسمين، و إن كان كلّ
الموجودات. و زعم: أنّه إنّما امتاز عن الممكنات بقيد سلبىّ، و هو أنّ وجوده غير
عارض لشيء من الماهيّات، و سائر الموجودات عارضة. لنا: أنّ مخالفته لغيره لو كانت
بصفة لحصلت المساواة في الذات. و لو كان كذلك لكان اختصاص ذاته بما به يخالف غيرها
إن لم يكن لأمر كان الجائز غنيّا عن السبب و هو محال، او لأمر فيلزم التسلسل.
أقول: أكثر المعتزلة ذهبوا إلى أنّ جميع الذوات متساوية في الذاتيّة، لأنّ
المفهوم من الذات عندهم هو ما يصحّ أن يعلم و يخبر عنه. و الصفة التى تفرّد أبو
هاشم باثباتها للّه تعالى دون غيره، و هى صفة الالهيّة.
و أمّا أبو على بن سينا قال: ماهيّة اللّه تعالى نفس الوجود مقيّدة
بلا عروضه لماهيّة. و ماهيّات الممكنات معروضات للوجود، و هى متخالفة و مخالفة
لنفس الوجود. فاذن لا يكون بين ماهيّة اللّه و سائر الماهيّات مشاركة بوجه البتة.
انّما تكون المشاركة بين ماهيّة اللّه تعالى و وجود الممكنات. لكنّه يقول: الوجود
المقول على اللّه تعالى و على سائر الموجودات ليس هو بماهيّة لشيء، لا له و لا
لغيره، بل هو أمر عقلىّ محمول على الوجود الخاصّ باللّه و على سائر الموجودات
بالتشكيك، و ليس هو بواجب الوجود.
و أمّا إلزام التسلسل في حجّته فيمكن أن يدفع بأن يقال: الصفات المختلفة
يقتضي طريانها على الذوات المتساوية لأنفسها، فانّه بيّن جواز اشتراك العلل
المختلفة في معلولاتها. و أيضا إذا جاز تعلّق المختار بأحد متساويين من غير ترجّح
فهلّا جاز تعلّق الصفة ببعض الذوات المتساوية من غير مرجّح.