تأثير المؤثّر في الحادث اللاحق، و العدميّات يجوز أن تكون شروطا،
كما مرّ بيانه. و قوله، في الجواب عن ذلك: إنّا بيّنا أنّ المؤثّر هو الصانع
القديم المختار، و أنّ المختار يصحّ منه ترجيح أحد الجائزين على الآخر لا لمرجّح»
فيه نظر، فانّه لم يبيّن إلى الآن كون المؤثر مختارا، و إنّما سيبيّنه فيما بعد،
بناء على حدوث العالم. فان بنى حدوث العالم على كونه مختارا لزم الدور.
و أيضا ادّعاء «أنّ المختار يصحّ منه ترجيح أحد الجائزين لا لمرجّح» غير مسلّم، فانّ
المختار هو الّذي يكون فعله تبعا لارادته و داعيه، لا أن يكون الفعل واقعا منه
اتّفاقا. و الداعى يكفى في الترجيح. و قول القدماء «إنّ الجائع يختار أحد القرصين
المتساويين من غير ترجّح أحدهما على الآخر» مردود، فانّ غاية كلامهم أنّ الترجيح
في مثل ذلك غير معلوم، و ذلك لا يدلّ على أنّه غير موجود، فانّ المتحيّر هو الّذي
لا يترجّح أحد دواعيه على الباقية. و التّحير موجود قطعا في كثير من المختارين، مع
أنّ البديهة حاكمة بأنّ الترجّح من غير مرجّح محال.
و أمّا المعارضة الأولى لا ثبات واجب الوجود- بأنّ وجود واجب الوجود
إن كان مساويا لوجود الممكنات لزم أن يصح عليه ما يصحّ على الممكنات- ليس بشيء،
فانّ من فهم الفرق بين المعانى المتواطئة و المعانى المشككة عرف أنّ الوجود على
الواجب و على غيره لا يقع بالتساوى، و إن كان المفهوم من الوجود شيئا واحدا. و
حينئذ لا يلزم منه أن يصحّ على الواجب ما يصحّ على الممكنات، من غير أن يذهب إلى
أنّ الوجود ليس بمشترك. و قوله: «إن كانت علّة الوجود ماهية الوجود كان المعدوم علّة للموجود»، فباطل،
لأنّ الماهيّة وحدها لا تكون موجودة و لا معدومة، و هذا هو عين مذهبه الّذي ذكره
في سائر المواضع و أبطله هاهنا.
و أمّا المعارضة الثانية- بوجوب قدم الزمان و جوابه بأنّ تقدّم
البارى على العالم كتقدّم بعض أجزاء الزمان على البعض الآخر- فقد سبق ما يرد عليه.