الامتناع متوقّف على حضور وقت، و كذلك الوجوب. فالماهيّة من حيث هى
هى لا يبقى لها إلّا القبول»، ليس أيضا بسديد، فانّ السابق إلى الفهم من كلامه أنّه
سلّم الاعتراض، ثمّ أجاب بوجه آخر، و ليس مراده إلّا بيان أنّ الامتناع و الوجوب
ليسا لعين الماهيّة، بل لحضور غيرها معها.
و أمّا القول، بأنّ صحّة وجود المحدث له بداية، و قبلها كان ممتنعا
لذاته ثمّ انقلب ممكنا لذاته، فجوابه عنه بالمنع المطلق و بيانه بأنّه لو كان كذلك
لزم من فرض حدوثه قبل تلك البداية كونه أزليّا- ليس أيضا بسديد، لما مرّ في مسألة
الحدوث في تفسير الأزل. و البيان الصحيح أنّ البداية لصحّة وجود المحدث يلزم من
جهة حدوثه لا لذاته و تعيّن وقت الحدوث يلحقه من خارج لسبب غير الحدوث، و قبل
البداية، له امتناع بالغير، أى يمتنع، لكونه قبل صحّة بدايته.
و مع توهّم عدم تلك البداية يمكن أن يكون له بداية أخرى قبلها، و لا
يلزم من ذلك صيرورته أزليّا، مع أنّ الصّحة التى له لذاته أزليّة.
قال: الطريق الثانىالاستدلال
بالامكان- و تقريره أن نقيم الدلالة على أنّ واجب الوجود يستحيل أن يكون أكثر من
واحد، ثمّ نشاهد في الأجسام كثرة فهى ممكنة، و كلّ ممكن فله مؤثّر، على ما مرّ.
الطريق الثالثحدوث الأعراض- مثل ما نشاهده من انقلاب النطفة علقه، ثمّ مضغة، ثمّ
لحما و دما، فلا بدّ من مؤثّر. و ليس المؤثّر هو الانسان و لا أبواه.
فلا بدّ من شيء آخر.
لا يقال: لم لا يجوز أن يكون المؤثّر هو القوّة المولّدة المركوزة
في النطفة.
لأنّا نقول: تلك القوّة إمّا أن يكون لها شعور و اختيار في
التكوين، و إمّا أن لا يكون. و الأوّل باطل، و إلّا لكانت النطفة موصوفة بكمال
القدرة و الحكمة، و هو معلوم الفساد بالبديهة. و الثانى أيضا باطل، لأنّ النطفة
إمّا أن تكون جسما متشابه الأجزاء في الحقيقة، و إمّا أن لا تكون كذلك. فان كان
الأوّل لزم