و مذهب المعتزلة أنّ الفاعل يفعل الاعتماد، و يتولّد من الاعتماد
الحركة، فالفاعل يوجب الحركة بالتولّد فيما هو مباين له، و الاعتماد بالمباشرة. و
احتجاجهم بحسن الأمر و النهي بالفعل هو أنّ الفاعل بالتولّد لو لم يكن موجبا للفعل
لما حسن أن يؤمر بالفعل الحاصل بواسطة تولّد الفعل.
و قوله: «الجواب ما تقدّم» يعنى به الفعل بالكسب. و قوله: «لما أجرى عادته بخلق هذه
الآثار في المباين»، يعنى في الشيء الذي يتولّد فيه، و قوله:
عقيب حصول هذه الأفعال في المباشر، يعنى في الذي يفعل بالمباشرة بلا
توسّط.
قال:
مسألة في تفصيل قول الفلاسفة في ترتيب الممكنات
قالوا: إنّه سبحانه واحد محض، و الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد،
على ما تقدّم.
فمعلوم له شيء واحد، فامّا أن يكون عرضا او جوهرا. و الاول باطل،
لأنّ العرض يحتاج الى الجوهر. فلو كان المعلول الاول عرضا لكان علّة للجوهر، فيكون
الجوهر محتاجا إليه، و قد كان محتاجا إلى الجوهر و لزم الدور. فهو إذن جوهر.
و هو امّا متحيّز. او غير متحيّر. و الأوّل محال، لأنّ المتحيز
مركّب من المادّة و الصورة، و لا يجوز صدورهما معا عن واجب الوجود، بل لا بدّ و أن
يكون أحدهما أسبق. و لا يجوز أن يكون السابق هو المادّة، لأنّ المادّة قابلة. فلو
كان المعلول الأوّل هو المادّة لكانت فاعلة و قابلة معا، و هو محال.
و لا يجوز يكون السابق هو الصورة لأنّ المعلول الأوّل لو كان هو
الصورة لكانت الصورة علّة للمادة، فتكون الصورة في فاعليتها غنيّة عن المادّة، و
كلّ ما كان في فعله غنيّا عن المادّة كان في ذاته غنيا عن المادّة، فلا تكون
الصورة صورة، هذا خلف.
فثبت أنّ المعلول الأوّل ليس بمتحيّز، و لا هيولى، و لا صورة، فهو
إذن جوهر مجرّد. و لا يجوز أن تكون أفعاله بواسطة الأجسام، لأنّ المعلول الأوّل
يجب أن يكون علّة لجميع الأجسام، و علّة جميع الأجسام لا تكون عليّتها بواسطة
الأجسام.
فالمعلول الأوّل ليس بنفس، فهو عقل محض. فثبت أنّ أوّل ما خلق
اللّه العقل.