ثمّ نقول: إن كان معلوله شيئا واحدا، و معلول ذلك المعلول شيئا
واحدا أبدا لزم أن لا يوجد شيئان إلّا و أحدهما علّة للآخر، و هو باطل. فاذن لا
بدّ و أن يوجد شيء يكون معلوله أكثر من واحد و المعلولان يستندان إلى كثرة في
العلّة. و لا يجوز أن يكون الكثرة التى فيه من ذاته البسيطة او من واجب الوجود، و
إلّا فقد صدر عن الواحد أكثر من الواحد. فبقى أن يكون له من ذاته شيء و من واجب
الوجود شيء، فاذا ضمّ ما له من ذاته إلى ما له من غيره حصلت فيه كثرة، لكن الّذي
له من ذاته الامكان و الّذي له من الأوّل الوجود. و ينبغى أن يجعل الأشرف علّة
للأشرف.
فلا جرم جعلنا الإمكان علّة للفلك الاعلى و وجوده علّة للعقل
الثانى. ثمّ لا يزال يصدر على هذا الترتيب من كلّ عقل عقل و فلك إلى أن ينتهى إلى
العقل الفعّال المدبّر لعالمنا.
و اعلم أنّ هذا باطل، لأنّه بناء على أنّ «الواحدلا يصدر عنه إلّا
الواحد»، و قد مرّ الكلام فيه و على أنّ الامكان مؤثّر. و هو محال، لأنّه لو كان
أمرا وجوديّا لكان أمرا واجبا. و هو محال، أمّا أوّلا فلأنّه صفة الممكن و محتاجة
إليه، و أمّا ثانيا فلأنّ واجب الوجود واحد و إن كان ممكنا لزم التسلسل، و لأنّه
لا بدّ له من علّة وجوديّة. و علّته إن كانت هى واجب الوجود كان واجب الوجود علة
الامكان و الوجود، فقد صدر عنه أمران، و إن كان غيره فهو محال، لأنّ ما عدا الواجب
إمّا هو او معلولاته او لا هو و لا معلولاته علّة له. فثبت أنّ الامكان أمر عدميّ
فيستحيل أن يكون علّة للأمر الوجودى، و لأنّ الامكانات متساوية، فلو كان إمكان
العقل الأوّل علّة لوجود فلك. فليكن إمكان ذلك الفلك علّة لوجود نفسه، لكن (لكون،
خ) إمكانه لذاته، فاذا كان وجوده لازما لا مكانه كان واجب الوجود لذاته، فيكون
الممكن لذاته واجبا لذاته، هذا خلف. و أيضا فالفلك الواحد فيه موجودات كثيرة لأنّ
فيه الهيولى و صورة جسميّة و صورة نوعيّة فلكيّة، و له في كلّ مقولة عرض فاسناد
هذه الأشياء الى الجهة الواحدة و هى الامكان إسناد الكثرة الى الواحد، و هو