فإنه كنى عن سيف الدولة أولا بالحبيب المعمّم، ثم وصفه بالغدر الذى
يدّعى أنه من شيمة النساء، ثم لامه على مبادهته بالعدوان، ثم رماه بالجبن لأنه
يرمى و يتقى الرمى بالاستتار خلف غيره، على أن المتنبى لا يجازيه على الشرّ بمثله
لأنه لا يزال يحمل له بين جوانحه هوى قديما يكسر كفه و قوسه و أسهمه إذا حاول
النضال، ثم وصفه بأنه سيى الظن بأصدقائه لأنه سيئ الفعل كثير الأوهام و الظنون حتى
ليظن أن الناس جميعا مثله فى سوء الفعل و ضعف الوفاء. فانظر كيف نال المتنبى من
سيف الدولة هذا النيل كله من غير أن يذكر من اسمه حرفا.
هذا، و من أوضح ميزات الكناية التعبير عن القبيح بما تسيغ الآذان
سماعه. و أمثلة ذلك كثيرة جدّا فى القرآن الكريم و كلام العرب، فقد كانوا لا
يعبّرون عما لا يحسن ذكره إلّا بالكناية، و كانوا لشدّة نخوتهم يكنون عن المرأة
بالبيضة و الشاة.
و لعلّ هذا المقدار كاف فى بيان خصائص الكناية و إظهار ما تضمنته من
بلاغة و جمال.
[1]القرط: ما يعلق فى شحمة الأذن، و الحسام: السيف
القاطع، و المصمم: الذى يصيب المفاصل و يقطعها، يقول: لم تكن المرأة الحسناء بأجزع
على فراقى من الرجل الشجاع.
[2]ذات عرق: موضع بالبادية و هو مكان احرام أهل
العراق.
نام کتاب : البلاغة الواضحة، البيان و المعاني و البديع للمدارس الثانوية نویسنده : علی جارم جلد : 0 صفحه : 132