قال
رحمهالله : إذا عرفت هذا ، فالعمل بذلك مقصور
على حقوق الناس ، دون الحدود وغيرها في حقوق الله تعالى ، فما ينهى إلى الحاكم
أمران ، أحدهما : حكم وقع بين متخاصمين ، والثاني : إثبات دعوى مدع على غائب ، فإن
حضر شاهدا لإنهاء خصومة الخصمين سمعاها يحكم به الحاكم ، وأشهدهما على حكمه ثمَّ
شهدا بالحكم عند الأخر ، ثبت بشهادتهما حكم ذلك الحاكم ، وأنفذ ما ثبت عنده الا [
لا ] أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر إذ لا علم له به ، بل الفائدة فيه قطع
خصومة الخصمين لو عاودا المنازعة في تلك الواقعة وإن لم يحضر الخصومة نحكي لهما
الواقعة وصورة الحكم وسمى المتحاكمين بأسمائهما وابائهما وصفاتهما وأشهدهما على
الحكم ، ففيه تردد والقبول أولى ؛ لأن حكمه كما كان ماضيا كان إخباره ماضيا.
أقول
: منشأ هذا
التردد كمنشأ التردد السابق من غير فرق ، إلا أن اخباره في الأولى للحاكم الأخر
وهنا للشهود ، فكما جاز أن يشهدا بالحكم جاز لهما الشهادة بالأخبار ، وهو اختيار
العلامة في القواعد.
واعلم أن
المصنف قد ذكر في هذا الفصل تردد آخر ، ومنشؤه معلوم من هنا فلا فائدة في ذكره ؛
لأن منشأ الجميع واحد وإن تغابرت المسائل.