و لم يرد
تعالى المشاورة في أحكام الدين و ما يتعلّق بالشريعة، و إنّما أراد فيما يتعلّق
بتدبير الحرب و نحوه بلا خلاف، و كان رسول الله صلّى الله عليه و آله غنيّا عن
مشاورتهم، و لكن أراد أن يستنّ به الحاكم بعده، و قال تعالى وَ
أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ[3] و شاور النبي عليه
السلام أصحابه في قصّة أهل بدر و اساراه، و شاور أهل المدينة يوم الخندق، و عليه
الإجماع عندهم، و قد قلنا ما عندنا.
و عندهم إذا
شاور، فينبغي أن يشاور الموافق و المخالف من أهل العلم، و لا يشاور إلّا ثقة عالما
بالكتاب و السنّة و أقاويل الناس و لسان العرب و القياس، فإذا شاورهم و اجتهد فيها
و غلب على ظنّه الحكم، فذاك فرضه، و لا يرجع فيه إلى قول غيره و إن كان غيره أعلم
منه حتى يعلم كعلمه، لأنّه لا يصحّ أن يلي الحاكم حتّى يكون ثقة من أهل الاجتهاد،
فإن لم يكن كذلك، لم يكن حاكما، و لم ينفذ له حكم، و كلّ ما حكم به باطل، و كذلك
لا يجوز أن يقلّد و يفتي.
و قد قلنا:
إنّ عندنا أنّه لا يتولّى الحكم إلّا من كان عالما بما وليه، و لا يجوز أن يقلّد
غيره و لا يستفتيه فيحكم به، فإن اشتبه عليه بعض الأحكام، ذاكر أهل العلم لينبّهوه
على دليله، فإذا علم صحّته، حكم به، و إلّا فلا[4].