و لم يكن أحد من هؤلاء[1]
و من تقدمهم من أسلافهم إلا و هو يقول القول و يرجع عنه إلى غيره حتى مات على ذلك
و في ذلك دليل على أنه لو عاش[2] لرجع عن
كثير مما مات عليه و العامة الجهال على هذا متمسكون بهم و مقلدون لهم لا يرى
الواحد منهم إذا انتحل قول أحدهم الرجوع عنه بل يرى من خالفه على ضلالة و يعدون ما
ذكرناه عنهم من الجهل مناقب لهم و هي لهم مثالب و معايب و لو وفقوا لانتقادها و
عوار قولهم فيها. و هم يروون عن مالك أنه كان يرى رأي الخوارج و أنه سئل عنهم فقال
ما عسى أن نقول في قوم ولونا فعدلوا فينا. و أن الشافعي و هو أحد من روي عنه و هو
عندهم بالمكان من المعرفة و التمييز[3] قال ما كان
يحل لمالك أن يفتي. و لما تحفظ الشافعي و من ذهب إلى مذهبه عند أنفسهم مما أثبتنا
فساده من تقليد من لم يوجب الله عز و جل تقليده سقطوا في شر من ذلك بل لم يخرجوا
عنه فقالوا نحن لا نقلد أحدا و لكنا نأخذ من قول كل قائل بما[4] ثبت و ندع من قوله ما فسد[5] فإن كانوا
قد أخذوا ما أخذوا عنه بتقليد فلم يخرجوا عن التقليد و من فسد من قوله شيء لم يجب
أن يأخذ عنه غيره و إن لم يقلدوهم شيئا و إنما قالوا أخذنا من قولهم ما رأيناه نحن
يثبت فقد صاروا إلى تقليد أنفسهم و وجب على غيرهم أن لا يأخذ عنهم شيئا كما أوجبوه
هم[6] و كان[7] اعتمادهم
على اتباع أهوائهم و لو وسع في ذلك لأحد لوسع لأنبياء الله قال الله عز و جل في
محمد رسوله ص-[8] وَ ما
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى-