و معلوم أن إبراهيم و إن كان راعي غنم ما كان عابد صنم لا من التي
صنعتها أيدي الخلق من مادة الذهب و الفضة أو الخشب و لا من التي أبدعها قدرة
الخالق بيديه كالهياكل الكواكب بلا مادة كما هو شأن عبدة الأصنام و سجدة الكواكب و
الأجرام العظام بل كان يتوارد عليه صور وهمية على لوح خياله لا حقائق لها من أعمال
وساوس الشيطان المشوشة للأذهان المغلظة لأكثر الناس بل للخواص و الأكياس إلا من
رأى برهان ربه كما قالرَبِّ
إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ[2]و لقوله تعالىوَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا
إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما
يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ
الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ[3].
و لما آتاه الحجج و البينات و ارتفع عن الخلق بكثير الدرجات كما قال
تعالىوَ تِلْكَ حُجَّتُنا
آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ
رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ[4]قال
لأبيه و قومهيا
أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ
كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا[5]
: و لما زالت هذه الحالة عن سيدنا ع تبجح به تبجحا[6]فقال أسلم شيطاني على
يدي فلا يأمرني إلا بخير
الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ
زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ[7]و هي شجرة المتخيلة التي طلعها كأنه رءوس الشياطين[8]فمالئون بطون نفوسهم الخبيثة من ثمراتها
و محصولاتها التي لا تسمن و لا تغني من جوع الجهل و عطش فيضلون عن سبيل الحق و
يضلون مريديهم بأنواع الحيل و الإيهامات لوصولهم إلى أعلى المقامات التي هي مقام
المعجزات و الكرامات و شتان