نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 38
و لما وجدنا الأمر على خلاف ذلك- فعلمنا أن هذا ليس لخفائه و نقصه بل
لشدة كماله في النورية المحسوسة تبهر الأبصار و تكل الحاسة عن إدراكه و يضعف فكذلك
قياس كمال الحق الأول و قوة لمعانه و نقص عقولنا و ضعفها و كلالها عن إدراكه و بما
بيناه تحقق أن الأشياء التي يكون المعقول منها لنفوسنا ضعيفا، و لا ندركها حق
إدراكها على ما هي عليه في أنفسها، على ضربين: ضرب ممتنع ذلك في حقه من قبل ذاته،
لضعف وجوده و خسة جوهره، كالهيولى، و ضرب مبذول من جهته، لكونه على التمام و
الكمال كالباري- عز سلطانه- إذ هو على الدرجة العليا من التمام و الغاية القصوى من
الكمال، لكنه يغلب إشراقه العقلي على بصائر القلوب، و يقهرها و يعجزها عن إدراك
نوره النافذ و لمعانه الشديدة، فيرجع عنه كليلة حيرة، و هذان الضربان، كل منهما في
غاية البعد عن الآخر بحسب الذات، و في الطرف الأقصى من سلسلة الوجود المترتبة في
الكمال و النقص المتدرجة في الشرف و الخسة فيكون أحدهما في غاية البهاء و الكمال و
الآخر في نهاية الخسة و النقص كالباري تعالى و الهيولى و ما يتلو كل منهما قوة و
ضعفا يتلوه- ظهورا و خفاء، و ما يكون متوسطا بين الأمرين ذا قسط من الجانبين فهو
الذي يقوي القوى البشرية على إدراكه و الإحاطة به كالأجسام و الألوان و سائر
الكيفيات و الكميات، و لذلك كان معرفة الأجرام و الأبعاد عليها أسهل من معرفة سائر
الأشياء.
فقد تبين و تحقق من ذلك أنا حيث كنا متلبسين بالمادة و كانت هي السبب
في أن صارت جواهرنا بحسب التعلق بها بعيدة عن الحق الأول، فيكون أذهاننا و عقولنا
ممنوعة عن إدراكه تعالى لبعدها عن منبع الوجود من قبل سنخ ذاتها و مقارناتها
للمادة لا من قبله.
فإنه لعظمته و سعة رحمته و شدة نوره النافذ و عدم تناهيه أقرب إلينا
من كل الأشياء لتناهيها و عدم تناهيه، كما أشار إليه في كتاب المجيد"وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ
حَبْلِ الْوَرِيدِ" و في قوله
تعالى:"وَ إِذا
سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ"
فهو
سبحانه في العلو الأعلى من جهة كماله الأقصى و الدنو الأدنى من جهة سعة رحمته و
إحاطة علمه بالأشياء فهو العالي في دنوه و الداني في علوه و إليه أشير في
الحديث" لو دليتم بأرض السفلى لهبطتم على الله".
نام کتاب : المبدأ و المعاد نویسنده : الملا صدرا جلد : 1 صفحه : 38