و هو الذي منشأ فاعليته و علة صدور الفعل عنه و الداعي له على الصدور
مجرد علمه بنظام الفعل و الجود لا غير من الأمور الزائدة على نفس العلم كما في
الواجب جل ذكره عند حكماء المشاءين.
و منها الفاعل بالرضا
و هو الذي منشأ فاعليته ذاته العالمة لا غير و يكون علمه بمجعوله عين
هوية مجعوله كما أن علمه بذاته الجاعلة عين ذاته كالواجب تعالى عند الإشراقيين
لكونه نورا عندهم و نوريته[2]التي
هي علمه بذاته سبب ظهور الموجودات في الأعيان منه تعالى و مجعولاته بالذات هي
الأنوار القاهرة و المدبرة العقلية و النفسية و بواسطتها الأنوار العرضية و مواضع
الشعور المستمرة و غير المستمرة- إلى آخر الوجود على ترتيب الأنور فالأنور حتى
ينتهى إلى الغواسق و الظلمات- كما فصلوه في زبرهم و هذه الثلاثة كلها مشتركة في أن
كلا منها فاعليته بالاختيار- و أنه يفعل بالمشيئة و الداعية العلمية سواء كان
العلم مفارقا عنه أو لازما لذاته زائدا على ذاته أو عين[3]ذاته و ما سوى[4]هذه
الثلاثة فاعل بالجبر و هي أيضا ثلاثة أقسام.
[1]قد مر منا في مباحث العلة و المعلول الشك في وجود هذا
القسم و هو الفاعل بالعناية- و أن الظاهر رجوع الفاعل بالقصد إلى الفاعل بالرضا
نعم الفاعل بالتجلي الآتي ذكره في الإلهيات لو كان من الفاعل بالعناية على ما
أدرجه المصنف قسم مستقل غير الفاعل بالرضا، ط مد
[2]تعريض بالمشاءين حيث إن سبب ظهورات الموجودات له تعالى
عندهم صورها التي هي علومه الحصولية و بيان التعريض أن من كان نور الأنوار و النور
سبب الظهور و الإظهار سيما ما هو حقيقة النور و النور الحقيقي لا يحتاج في انكشاف
الأشياء له إلى الصور فإن ظهوره و إظهاره ينفذ إلى تخوم الأشياء، س ره
[3]و هذا إشارة إلى قسم آخر و هو الفاعل بالتجلي و قد مر
بيانه في الحواشي السابقة فتذكر، س ره
[4]قد قدمنا في مباحث العلة و المعلول في الكلام على أقسامه
الفاعل بيانا جامعا في ذلك و تبين منه أن انقسام الفاعل إلى المختار و المجبور ليس
انقساما حقيقيا منوعا بل انقسام مشهوري و يظهر بالرجوع إليه مناقشات جديدة فيما
يتضمنه كلامه في هذا الفصل.
و أما تسميته رحمه الله تعالى ما سوى الفاعل بالقصد و بالعناية و
بالرضا بالفاعل بالجبر- و قوله في آخر كلامه إن هذه الثلاثة مشتركة في أنها مجبورة
في فعلها فمبني على التحليل في معنى الاختيار و الجبر و أن حقيقة الاختيار كون
الفعل بحيث يستند إلى فاعل- علمي تام الفاعلية مستقل في التأثير و الجبر خلاف ذلك
إما لكون الفاعل غير علمي أو لكون الفاعل مع علمه بالفعل غير مستقل في التأثير و
هذا غير الاختيار و الجبر اللذين هما كون الفاعل بحيث إن شاء فعل و إن لم يشأ لم
يفعل و عدم كونه كذلك فقد ظهر أن المراد بما ذكره من الاختيار و الجبر هو المعنى
التحليلي و لذلك يقول ره أخيرا و لو نظرت حق النظر لم تجد فاعلا بالاختيار المحض
إلا الباري جل ذكره و غيره مسخرون له فيما يفعلونه سواء كانوا مختارين أو مجبورين
إلخ فإن الجمع بين الجبر و الاختيار لا يتم إلا بالنظر إلى المعنى التحليلي
المذكور و لو لا ذلك لكان جمعا بين القسمين المتباينين فافهم، ط مد
نام کتاب : الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة نویسنده : الملا صدرا جلد : 3 صفحه : 12