و بذلك يظهر أنّ تقابل
المعيّة مع التقدّم و التأخّر تقابل العدم و الملكة. فالمعيّة:
اشتراك أمرين في معنى من
غير اختلاف بالتقدّم و التأخّر، و الحال أنّ من شأنهما التقدّم و التأخّر في ذلك
المعنى. و التقدّم و التأخّر من الملكات، و المعيّة عدميّة.
فالمعيّة في الرتبة
كمعيّة المأمومين الواقفين خلف الإمام بالنسبة إلى المبدء المفروض في المسجد، في
الرتبة الحسّيّة؛ و كمعيّة نوعين أو جنسين تحت جنس، في الأنواع و الأجناس
المترتّبة بالنسبة إلى النوع أو الجنس. 6
و المعيّة في الشرف كشجاعين
متساويين في الملكة.
و المعيّة في الزمان
كحركتين واقعتين في زمان واحد بعينه 7. و لا يتحقّق معيّة بين أجزاء الزمان نفسه،
حيث لا يخلو جزآن منه من التقدّم و التأخّر.
و المعيّة بالطبع
كالجزئين المتساويين بالنسبة إلى الكلّ. 8
6- قوله قدّس سرّه:
«بالنسبة إلى النوع أو الجنس»
قوله قدّس سرّه: «بالنسبة»
متعلّق بقوله قدّس سرّه: «المترتّبة». فالمراد أنّ السلسلة قد تترتّب متصاعدة، و
هو الترتّب بالنسبة إلى الجنس. و قد تترتّب متنازلة، و هو الترتّب بالنسبة إلى
النوع. و ليس متعلّقا بالمعيّة لوجهين: الأوّل: مخالفته لقوله قدّس سرّه: «كمعيّة
نوعين أو جنسين تحت جنس».
الثاني: أنّه لا يمكن
تصوّر معيّة جنسين بالنسبة إلى نوع؛ لأنّه يمتنع اندراج نوع واحد تحت جنسين واقعين
في عرض واحد. كما مرّ في الفصل الخامس من المرحلة الخامسة.
7- قوله قدّس سرّه: «كحركتين
واقعتين في زمان واحد بعينه»
كحركة الجوهر و حركة
أعراضه التي هي شؤون وجوده؛ فإنّهما لمّا كانتا موجودتين بوجود واحد، كان لهما
مقدار واحد هو زمانهما، و كالحركتين الحاصلتين لعرضين ذوي موضوع واحد بسبب حركة
موضوعهما، و هو الجوهر.
و لا يخفى عليك: أنّ المعيّة
هنا ليست خارجيّة؛ إذ ليس هناك وجودان مختلفان، و لا معنى لمعيّة الشيء لنفسه؛ بل
المعيّة هنا متفرّعة على تحليل العقل الشيء إلى جوهر و عرض، و تفكيك كلّ من
الأعراض عن الآخر.
8- قوله قدّس سرّه:
«كالجزئين المتساويين بالنسبة إلى الكلّ»