الذاتيّ هذا النحو من
التقدّم 24؛ إذ الحكماء عرّفوا العلّة الفاعلة بما يؤثّر في شيء مغاير للفاعل،
فتقدّم ذات الفاعل على ذات المعلول تقدّم بالعلّيّة؛ و أمّا تقدّم الوجود على
الوجود، فهو تقدّم آخر غير ما بالعلّيّة؛ إذ ليس بينهما تأثير و تأثّر و لا
فاعليّة و لا مفعوليّة، بل حكمهما حكم شيء واحد له شؤون و أطوار، و له تطوّر من
طور إلى طور». انتهى (ج 3، ص 257)
24- قوله قدّس سرّه:
«وجود كلّ علّة موجبة يتقدّم على وجود معلولها الذاتيّ هذا النحو من التقدّم»
أي: وجود كلّ علّة تامّة،
فإنّ العلّة التامّة هي التي توجب المعلول. هذا على ما رآه المصنّف قدّس سرّه.
و لكن يبدو أنّ مراد صدر
المتألّهين قدّس سرّه من العلّة الموجبة هي العلّة الفاعلة، إذ هي التي توجد
المعلول. و إذا كان وجود المعلول مستندا إلى الفاعل، فوجوبه أيضا مستند إليه. و
قوله:
«إذ الحكماء عرّفوا
العلّة الفاعلة إلى آخره» قرينة على أنّ قوله اللاحق: «و أمّا تقدّم الوجود على
الوجود»، أريد منه تقدّم وجود العلّة الفاعلة على وجود المعلول. فالتقدّم بالحقّ
إنّما هو تقدّم العلّة الفاعلة على المعلول. نعم هو مختصّ بالفاعل التّام
الفاعليّة، و هو الّذي يكون فاعلا بالفعل، إمّا من جهة كونه وحده علّة تامّة، و
إمّا من جهة انضمام بقيّة العلل إليه.
و يؤيّد ما ذكرناه أيضا،
أنّ هذا التقدّم يرجع إلى تقدّم المستقلّ على الرابط به. و واضح أنّ الّذي يكون
المعلول رابطا به هو الفاعل فقط من أقسام العلل.
و على ما ذكرنا يصحّ عدّ
هذا النوع من التقدّم قسيما للتقدّم بالعلّيّة و للتقدّم بالطبع. و أمّا على ما
ذهب إليه المصنّف قدّس سرّه، فلا بدّ من جعله بدلا عن التقدّم بالعلّيّة و حذف ما
بالعلّيّة من الأقسام، إذ عليه يكون هذا التقدّم تفسيرا صحيحا للتقدّم بالعلّيّة،
و يبطل به التفسير القديم.
قوله قدّس سرّه: «يتقدّم
على وجود معلولها الذاتيّ».
أي: معلولها الّذي يكون
معلوليّته لها و حاجته إليها عين ذاته.