إنّ ما بين أيدينا من
الأنواع الجوهريّة 2 يقبل أن يتغيّر فيصير غير ما كان أوّلا، كالجوهر غير النامي
يمكن أن يتبدّل إلى الجوهر النامي، و الجوهر النامي يمكن أن يتبدّل فيصير حيوانا،
و ذلك مع تعيّن القابل و المقبول 3؛ و لازم ذلك أن تكون بينهما نسبة موجودة ثابتة.
4
على أنّا نجد هذه النسبة
مختلفة بالقرب و البعد و الشدّة و الضعف، فالنطفة أقرب إلى الحيوان من الغذاء 5، و
إن كانا مشتركين في إمكان أن يصيرا حيوانا؛ و القرب و البعد و الشدّة و الضعف
أوصاف وجوديّة، لا يتّصف بها إلّا موجود، فالنسبة المذكورة موجودة لا محالة.
و كلّ نسبة موجودة
فإنّها تستدعي وجود طرفيها في ظرف وجودها 6، لضرورة
2- قوله قدّس سرّه: «إنّ
ما بين أيدينا من الأنواع الجوهريّة»
و هي الأنواع المادّيّة.
3- قوله قدّس سرّه: «ذلك
مع تعيّن القابل و المقبول»
أي: مع تعيّن المتبدّل و
المتبدّل إليه، فنطفة الإنسان تتبدّل إنسانا، و نواة التمر تتبدّل نخلا، و هكذا.
4- قوله قدّس سرّه:
«لازم ذلك أن يكون بينهما نسبة موجودة ثابتة»
لا يخفى عليك: أنّ وجود
النسبة إنّما يمكن فيما إذا كان هناك طرفان، و هذا إنّما يتصوّر على رأي المنكرين
للحركة الجوهريّة الملتزمين بالكون و الفساد في كلّ تبدّل جوهريّ، و أمّا على
الحركة الجوهريّة فليس هناك إلّا وجود واحد متّصل سيّال- كما سيصرّح قدّس سرّه به
في الفصل الثامن- ليس له أجزاء إلّا بحسب الانقسام الوهميّ، كما يظهر منه قدّس
سرّه في الفصل الخامس و صرّح به في بداية الحكمة؛ فالنسبة إنّما هي في تحليل العقل
بعد تقسيمه الحركة إلى أجزاء سابقة و لاحقة.
5- قوله قدّس سرّه:
«فالنطفة أقرب إلى الحيوان من الغذاء»
و استعدادها إذا كانت من
إنسان صحيح أقوى منه إذا كانت من مريض.
6- قوله قدّس سرّه: «كلّ
نسبة موجودة فإنّها تستدعي وجود طرفيها في ظرف وجودها»