من رثاثة الحال 44، فهو
يريد بإحسانه إزاحة الألم عن نفسه؛ و كذلك من يسير إلى مكان ليستريح فيه، يريد
بالحقيقة إراحة نفسه من إدراك ما يجده ببدنه من التعب. 45
و بالجملة، الفعل دائما
مسانخ لفاعله، ملائم له، مرضيّ عنده؛ و كذا ما يترتّب عليه من الغاية، فهو خير
للفاعل كمال له.
و أمّا ما قيل: 46 إنّ
العالي لا يستكمل بالسافل و لا يريده، لكونه علّة، و العلّة
44- قوله قدّس سرّه:
«يتألّم من مشاهدة ما يراه عليه من رثاثة الحال»
أي: سوء الحال و خساستها و
رداءتها.
45- قوله قدّس سرّه:
«يريد بالحقيقة إراحة نفسه من إدراك ما يجده ببدنه من التعب»
كلامه قدّس سرّه صريح في
أنّ التعب من شؤون البدن، و النفس تدركه، فتتصدّى لإراحة نفسها من هذا الإدراك.
و الظاهر أنّه مبنيّ على
ما مرّ منه قدّس سرّه في تفسير اللّذة و الألم من أنّهما نفس الإدراك؛ فههنا تعب
هو من شؤون البدن، و ألم هو من شؤون النفس، و ليس إلّا نفس إدراك تعب البدن.
فالإنسان يحرّك بدنه من
مكان إلى مكان لأنّه يريد إراحة نفسه من الألم الّذي هو إدراك تعب البدن. هذا.
و لكن يبدو أنّ التعب من
عوارض النفس، يعرضها بواسطة البدن، فتحرّك البدن لإزاحته.
46- قوله قدّس سرّه:
«أمّا ما قيل»
حاصل الاعتراض أنّه قد ثبت
عندهم أنّ العالي لا يستكمل بالسافل، فكيف جعلتم الغاية، التي هي أثر الفعل كمالا
للفاعل؟!
و حاصل الجواب: أنّ الغاية
إنّما تكون كمالا للفاعل بوجودها الّذي هو عين ذات الفاعل، أعني فعليّة الكمال
الّذي لأجله تصدّى الفاعل للفعل. أمّا الغاية الخارجة عن ذاته فإنّما هي كمال له
بالعرض، و حينئذ فإذا كان الفاعل مجرّدا عن المادّة ذاتا و فعلا، فذلك الكمال
موجود له في بدء كينونته، و ليس كمالا حاصلا بعد النقص، فلا يكون التلبّس به
استكمالا. و إذا كان متعلّقا بالمادّة بوجه فهو و إن كان مستكملا به، إلّا أنّه
ليس استكمالا بالسافل- الّذي هو نفس