لا يقال: الحجّة منقوضة
بالعقل؛ فإنّه مؤثّر فيما دونه، متأثّر عمّا فوقه؛ ففيه جهتا فعل و انفعال 32؛
فيلزم على قولكم تركّبه من مادّة و صورة، حتّى يفعل بالصورة و ينفعل بالمادّة.
فإنّه يقال: 33 إنّ الانفعال
و القبول هناك غير الانفعال و القبول المبحوث عنه في الأجسام؛ فانفعال العقل و
قبوله الوجود ممّا فوقه، ليس إلّا مجرّد وجوده الفائض
أي: قوّتها هي فعليّتها،
فلا فعليّة لها غير كونها قوّة. و المقصود من كونها بالفعل أنّ كونها قوّة ليس
أمرا بالقوّة؛ و إلّا فليس هي إلّا صرف القوّة، و لذا تحتاج إلى موجود فعليّ تتّحد
به، فتتحصّل بتحصّله، و هي الصورة، كما سيأتي في صدر الفصل اللاحق.
قال قدّس سرّه في الأسفار
ج 5، ص 152: «لا ذات لها [أي للهيولى] إلّا بالصور» انتهى. و قال قدّس سرّه فيه ج
5، ص 116 أيضا، تبعا للشيخ: «إنّ فعليّة الهيولى فعليّة القوّة، و جوهريّتها
القبول للأشياء، لا فعليّة وجود من الوجودات المتحصّلة و جوهريّة حقيقة من الحقائق
المتأصّلة.» انتهى.
32- قوله قدّس سرّه:
«ففيه جهتا فعل و انفعال»
لا يخفى عليك: أنّ المعترض
اختلط عليه معاني الفعل، كما اشتبه عليه أنواع القبول؛ فإنّ الفعل في برهان القوّة
و الفعل هو الفعليّة المساوقة للوجود و المقابلة للقوّة، و الفعل الذي أورده في
اعتراضه هو الفعل بمعنى الفاعليّة و الإيجاد، و الأوّل معنى نفسيّ، بينما أنّ
الثاني معنى نسبيّ.
33- قوله قدّس سرّه:
«فإنّه يقال»
حاصله: أنّ الانفعال و
القبول في الجسم حقيقيّ عينيّ؛ و أمّا القبول و الانفعال في العقل فليس إلّا
فرضيّا اعتباريّا، حيث: إنّه ليس هناك شيء قبل وجود العقل يكون بالقوّة بالنسبة
إلى وجود العقل، ثمّ بعد وجود العقل يتّحد به، بل إنّما يحلّل الذهن العقل بعد
وجوده إلى ماهيّة و وجود، و يفرض ماهيّته قابلة للوجود.