و بالجملة: مادّيّة
النفس للصور المجرّدة المعقولة، غير المادّيّة بالمعنى الذي في عالم الأجسام نوعا؛
و ناهيك في ذلك عدم وجود خواصّ المادّة الجسمانيّة هناك.
لا يقال: الحجّة منقوضة
بنفس المادّة، فإنّها في نفسها جوهر موجود بالفعل، و لها قوّة قبول الأشياء، فيلزم
تركّبها من صورة تكون بها بالفعل و مادّة تكون بها بالقوّة، و ننقل الكلام إلى
مادّة المادّة، و هلمّ جرّا، فيتسلسل؛ و بذلك يتبيّن أنّ الاشتمال على القوّة و
الفعل لا يستلزم تركّبا في الجسم.
لأنّه يقال- كما أجاب
عنه الشيخ 30-: إنّ المادّة متضمّنة للقوّة و الفعل، لكنّ قوّتها عين فعليّتها 31،
و فعليّتها عين قوّتها، فهي في ذاتها محض قوّة الأشياء، لا فعليّة لها إلّا
الضمير يرجع إلى النفس.
أي: تكون إفاضة المرتبة العالية- و هي المرتبة التي فوق مرتبة وجودها- شرطا في
إفاضة المرتبة التي فوق تلك المرتبة العالية.
30- قوله قدّس سرّه:
«لأنّه يقال- كما أجاب عنه الشيخ-»
قال في الفصل الثاني من
المقالة الثانية من إلهيّات الشفاء ط. مصر، ص 67- 68 بعد ما قرّر برهان القوّة و
الفعل: «و لسائل أن يسأل و يقول: فالهيولى أيضا مركّبة، و ذلك لأنّها في نفسها
هيولى و جوهر بالفعل، و هي مستعدّة أيضا.
فنقول: إنّ جوهر الهيولى و
كونها بالفعل هيولى، ليس شيئا آخر إلّا أنّه مستعدّ لكذا، و الجوهريّة التي لها،
ليس تجعلها بالفعل شيئا من الأشياء، بل تعدّها لأن تكون بالفعل شيئا بالصورة. و
ليس معنى جوهريّتها إلّا أنّها أمر ليس في موضوع؛ فالإثبات هنا هو «أنّه أمر» و
أمّا «أنّه ليس في موضوع» فهو سلب. و «أنّه أمر» ليس يلزم منه أن يكون شيئا معيّنا
بالفعل؛ لأنّ هذا عامّ، و لا يصير الشيء بالفعل شيئا بالأمر العامّ ما لم يكن له
فصل يخصّه، و فصله أنّه مستعدّ لكلّ شيء؛ فصورته التي تظنّ له هي أنّه مستعدّ
قابل. فإذن ليس هنا حقيقة للهيولى تكون بها بالفعل، و حقيقة اخرى بالقوّة، إلّا أن
يطرأ عليها حقيقة من خارج، فتصير بذلك بالفعل، و تكون في نفسها و اعتبار وجودها
بالقوّة، و هذه الحقيقة هي الصورة.» انتهى.