و هذا النحو من الوجود
هو الذي نسمّيه الوجود الذهنيّ 4، و هو علمنا بماهيّات الأشياء. 5
و أنكر الوجود الذهنيّ
قوم 6؛ فذهب بعضهم إلى أنّ العلم إنّما هو نوع إضافة من النفس
قال قدّس سرّه في
تعليقته على الأسفار، ج 1، ص 264: «إنّ الوجود الذهنيّ الذي هو أحد قسمي الوجود
المطلق ... إنّما يتحقّق بالقياس، و هو قولنا: الوجود إمّا أن يترتّب عليه الآثار
و هو الخارجيّ، و إمّا أن لا يترتّب عليه تلك الآثار بعينها، و هو الذهنيّ. و
القسمان متقابلان لمكان التقسيم. فالوجود الذهنيّ إنّما هو ذهنيّ من جهة مقابلته
الوجود الخارجيّ و عدم ترتّب آثاره عليه. و أمّا من جهة ترتّب آثار مّا عليه-
ككونه رافعا للعدم الذي هو الجهل، و كونه متشخّصا بتشخّص الذهن، و سائر الآثار،
كحمرة الخجل أو الغضبان و صفرة الوجل و غير ذلك فهو من هذه الجهة وجود خارجيّ، و
ليس بذهنيّ؛ لترتّب الآثار عليه، و عدم كونه مأخوذا بالقياس إلى الخارج.» انتهى.
4- قوله قدّس سرّه:
«نسمّيه الوجود الذهنيّ»
فالوجود الذهنيّ لا يراد
به معناه اللغويّ، حتّى يصدق على كلّ موجود في الذهن، و إلّا كان القول بالشيخ
أيضا قولا بالوجود الذهنيّ، بل هو، مصطلح خاصّ يراد به ماهيّات الأشياء الموجودة
في الذهن التي هي حاكية لما وراءها.
5- قوله قدّس سرّه: «و
هو علمنا بماهيّات الأشياء»
لا يخفى عليك: أنّ محطّ
النظر في هذا المبحث، هو إثبات أصل الوجود الذهنيّ بالمعنى المصطلح. في مقابل
القول بالإضافة و القول بالشبح. و الوجود الذهنيّ شأنه الحكاية لمصداقه و واقعه،
بحكم الوجدان. و أمّا حديث مطابقته لما نعتقده مصداقا له، فهو أمر آخر، إذ ربما
يقع خطأ في التطبيق. و لا خطاء إلّا في التطبيق. فلا بدّ في كشف مطابقته للواقع من
التعويل على كونه بيّنا أو مبيّنا. أي بديهيّا أو منتهيا إلى البديهيّ.
6- قوله قدّس سرّه: «و
أنكر الوجود الذهنيّ قوم»
و الباعث على هذا
الإنكار يختلف باختلاف المنكرين.
فالقائلون بالإضافة أو
بالشبح المحاكي، ذهبوا إلى ما ذهبوا لأجل الإشكالات الخمسة الاولى من الإشكالات
الآتية التي اوردت على الوجود الذهنيّ، حيث استصعبوها و لم يقدروا على دفعها،
فأعرضوا عن القول بالوجود الذهنيّ. كما صرّح بذلك المصنّف قدّس سرّه في المرحلة
الثانية من بداية الحكمة.
و أمّا القائلون بالشبح
غير المحاكي، فالظاهر أنّهم إنّما ذهبوا إلى ذلك من أجل ما أفاده