قالت المعتزلة: نعم إثبات
إرادات لا في محل على خلاف وضع الأعراض و المعاني لكن الضرورة ألجأت إلى التزام
ذلك.
قيل إنه لا وجه لإنكار
الإرادة كما قال الكعبي؛ لأنه يوجب أن تكون الأفعال غير اختيارية شبيهة بالأفعال
الطبيعية عند أهل الطبائع و لا وجه لإثبات كونه مريدا لذاته لأن الصفات الذاتية
وجب تعميمها فهي عامة التعلق و حينئذ وجب تعلق كونه مريدا بالفواحش و القبائح و
ذلك باطل كما سيأتي و لا وجه لإثبات إرادة قديمة لأنه يؤدي إلى إثبات إلهين قديمين
كما سبق أن الاشتراك في القدم يوجب الاشتراك في الإلهية و لا وجه لإثبات كونها
حادثة قائمة بذات الباري و لا لإثبات كونها قائمة بذات أخرى لما سبق من المعنى
فتعين أنها لا في محل فالضرورة العقلية ألجأت إلى تعيين هذا القسم من الأقسام و
نحن لم نبعد النجعة في ذلك مع إثبات الفلاسفة عقولا مفارقة للأجسام قائمة بذواتها
و هي مبادئ الموجودات و مع إثبات جهم و هشام علوما حادثة لا في محل و مع إثبات
الأشعرية تكليما لا في محل لأن ذلك الكلام الذي في ذات الباري تعالى لم ينتقل إلى
سمع موسى عليه السلام، و الذي سمعه موسى لم يكن في محل فهم و إن لم يصرحوا بتكليم
لا في محل كما صرحنا بتعظيم لا في محل غير أنهم أثبتوا كلاما مسموعا و الصفة
الأزلية لم تنتقل و سمع موسى قد امتلأ بالتكليم حتى يقال: إنه سمع كجر السلسلة.
و أما قولكم: إن حدثت
إرادة فبإرادة أخرى تحدث و بتسلسل فغير مقبول لأن الإرادة لا تراد أ ليست إرادتنا
لو كانت مرادة بإرادة أخرى أدت إلى التسلسل فلم تستدع الإرادة جنسها.
قالت الأشعرية: الضرورة
التي ادعيتم ليست الضرورة العقلية التي يضطر العقل إلى التزامها من إبطال قسم و
تعيين قسم، فإنكم قدرتم من محال حتى ارتكبتم محالا و الأقسام كلها بزعمكم محالات
فلم التزمتم هذا المحال دون مذهب الكعبي في رده الإرادة إلى العالمية و القادرية
كما رددتم كونه سميعا بصيرا إلى كونه عليما خبيرا على قول و هلا التزمتم مذهب
النجار في رد الإرادة إلى صفة النفي كمن قال منكم إنه سميع بصير بمعنى أنه حي لا
آفة به، و هلا قلتم هو مريد لنفسه كما قال النجار على رأي و لا تلتزموا عموم
التعلق إلا فيما يصح أن يكون قادرا على ما يصح أن يكون مقدورا له، و هلا التزمتم
مذهب الكرامية في إثبات إرادات في ذاته لأن المحذور من ذلك الالتزام هو التغيير
بالحوادث و التغيير حاصل في الأحكام حسب حصوله في المعاني إذا لم يكن مريدا فصار
مريدا عندكم فإذا لم يدل تغيير الأحكام على الحدوث لم يدل