نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 33
فهي قرّة العين الّتي لا
تعلم نفس ما أخفي لها منها، و إذا حصلت انمحقت الهموم و الشهوات كلّها فصار القلب
مستغرقا بنعيمها فلو القي في النار لم يحسّ بها لاستغراقه و لو عرض عليه نعيم
الجنّة لم يلتفت إليه، لكمال نعيمه و بلوغه الغاية الّتي ليس فوقها غاية، و ليت شعري
من لا يفهم إلّا حبّ المحسوسات كيف يؤمن بلذّة النظر إلى وجه اللّه تعالى و ما له
شبه و صورة و شكل، و أيّ معنى لوعد اللّه تعالى به عباده و ذكره أنّه أعظم النعم
بل من عرف اللّه عرف أنّ اللّذّات المقرونة بالشهوات المختلفة كلّها تنطوي تحت هذه
اللّذّة كما قال بعضهم:
كانت لقلبي أهواء مفرّقة
فاستجمعت مذ رأتك العين أ هوائي
فصار يحسدني من كنت أحسده
فصرت مولى الورى مذ صرت مولائي
تركت للناس دنياهم و دينهم
شغلا بذكرك يا ديني و دنيائي
و لذلك قال بعضهم: و
هجره أعظم من ناره، و وصله أطيب من جنّته. و ما أرادوا بهذا إلّا إيثار لذّة القلب
في معرفة اللّه تعالى على لذّة الأكل و الشرب و النكاح فإنّ الجنّة معدن تمتّع
الحواسّ فأمّا القلب فلذّته في لقاء اللّه عزّ و جلّ فقطّ، و مثال أطوار الخلق في لذّاتهم
ما نذكره و هو أنّ الصبيّ في أوّل حركته و تمييزه تظهر فيه غريزة بها يستلذّ
اللّعب و اللّهو حتّى يكون ذلك عنده ألذّ من سائر الأشياء ثمّ تظهر بعده لذّة
الزّينة و لبس الثياب و ركوب الدّوابّ فيستحقر معها لذّة اللّعب ثمّ تظهر بعده
لذّة الوقاع و شهوة النساء فيترك بها جميع ما قبلها في الوصول إليها ثمّ تظهر له
لذّة الرّئاسة و العلوّ و التكاثر و هي أحبّ لذّات الدّنيا و أغلبها و أقواها كما
قال: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ
زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ- الآية»[1] ثمّ بعد هذا تظهر غريزة أخرى يدرك بها لذّة معرفة اللّه تعالى و
معرفة أفعاله فيستحقر معها جميع ما قبلها و كلّ متأخّر فهو أقوى و هذا هو الأخير
إذ يظهر حبّ اللّعب في سنّ الصّبي و حبّ الزينة في سنّ التمييز و حبّ النساء في
سنّ البلوغ و حبّ الرّئاسة بعد العشرين و حبّ العلوم بقرب الأربعين و هي الغاية
العليا و كما أنّ