نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 8 صفحه : 131
الندور و كما أنّ من غلب
عليه حبّ اللّه عزّ و جلّ و حبّ الآخرة اكتسبت حركاته الاعتياديّة صفة همّه و صارت
إخلاصا فالّذي يغلب على نفسه حبّ الدّنيا و العلوّ و الرّئاسة و بالجملة حبّ غير
اللّه اكتسب جميع حركاته الاعتياديّة تلك الصفة فلم تسلم له عباداته من صومه و
صلاته و غير ذلك إلّا نادرا، فعلاج الإخلاص كسر حظوظ النفس و قطع الطمع عن الدّنيا
و التجرّد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب فإذ ذاك يتيسّر الإخلاص، و كم من أعمال
يتعب الإنسان فيها و يظنّ أنّها خالصة لوجه اللّه تعالى و يكون فيها مغرورا لأنّه
لا يدري وجه الآفة فيه كما حكي عن بعضهم أنّه قال: قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت
صلّيتها في المسجد جماعة في الصفّ الأوّل لأنّي تأخّرت يوما لعذر و صلّيت في الصفّ
الثاني فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني فعرفت أنّ نظر الناس إليّ
في الصف الأوّل كان يسرّني و كان سبب استراحة قلبي من ذلك من حيث لا أشعر، و هذا
دقيق غامض و قلّما تسلم الأعمال من أمثاله، و قلّ من يتنبّه له، و الغافلون عنه
يرون حسناتهم كلّها في الآخرة سيّئات و هم المرادون بقوله تعالى: «وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ»[1] «وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما
عَمِلُوا»[2] و
«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»[3] و أشدّ الخلق تعرّضا لهذه الفتنة
العلماء فإنّ الباعث للأكثرين على نشر العلم لذّة الاستيلاء و الفرح بالاستتباع و
الاستبشار بالحمد و الثناء و الشيطان يلبّس عليهم ذلك و يقول: غرضكم نشر دين اللّه
و النضال عن شرع رسول اللّه، و ترى الواعظ يمنّ على اللّه بنصيحته للخلق و وعظه
للسلاطين و يفرح بقبول الناس قوله و إقبالهم عليه و هو يزعم أنّه يفرح بما تيسّر
له من نصرة الدّين، و لو ظهر من أقرانه من هو أحسن منه وعظا و انصرف الناس عنه و
أقبلوا عليه ساءه ذلك و غمّه و لو كان باعثه الدّين لشكر اللّه عزّ و جلّ إذ كفاه
هذا المهمّ بغيره، ثمّ الشّيطان مع ذلك لا يخلّيه و يقول إنّما غمّك لانقطاع