نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 6 صفحه : 237
فإن قلت: فما بال بعض الناس يزداد بالعلم
كبرا و أمنا؟ فاعلم أن له سببين:
أحدهما أن يكون اشتغاله بما يسمّى علما و
ليس بعلم حقيقيّ و إنّما العلم الحقيقيّ ما يعرف العبد به نفسه و ربّه و خطر أمره
في لقاء اللَّه و الحجاب عنه، و هذا يورث الخشية و التواضع دون الكبر و الأمن قال
اللَّه تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ[1] فأمّا ما
وراء ذلك كعلم الطبّ و الحساب و اللّغة و الشعر و النحو و فصل الخصومات و طرق
المجادلات فإذا تجرّد الإنسان لها حتّى امتلأ به امتلأ كبرا و نفاقا و هذه بأن
تسمّى صناعات أولى من أن تسمّى علوما، بل العلم هو معرفة العبوديّة و الرّبوبيّة و
طريق العبادة و هذا يورث التواضع غالبا.
السبب الثاني: أن يخوض العبد في العلم و هو
خبيث الدّخلة رديء النفس سيّئ الأخلاق فلم يشتغل أوّلا بتهذيب نفسه و تزكية قلبه
بأنواع المجاهدات و لم يرض نفسه في عبادة ربّه فبقي خبيث الجوهر فإذا خاض في العلم
أيّ علم كان صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره و لم يظهر في الخير
أثره، و قد ضرب وهب لهذا مثلا فقال: العلم كالغيث ينزل من السّماء حلوا صافيا
فتشربه الأشجار بعروقها فتحوّله على قدر طعومها، فيزداد المرّ مرارة و الحلو
حلاوة، فكذلك العلم يحفظه الرّجال فتحوّله على قدر هممهم و أ هوائهم، فيزيد
المتكبّر كبرا و المتواضع تواضعا و هذا لأنّ من كانت همّته الكبر و هو جاهل فإذا
حفظ العلم وجد ما يتكبّر به فازداد كبرا، و إذا كان الرّجل خائفا مع جهله فإذا
ازداد علما علم أنّ الحجّة قد تأكّدت عليه فيزداد خوفا و إشفاقا و تواضعا، فالعلم
من أعظم ما يتكبّر به و من أجل ذلك قال اللَّه تعالى لنبيّه صلّى اللَّه عليه و
آله و سلّم: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[2] و قال: وَ لَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[3] و وصف
أولياءه فقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكافِرِينَ[4] و لذلك قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم
فيما رواه العبّاس: «يكون قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقولون قد