نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 5 صفحه : 104
تكلّفا مجاهدا لنفسه فيه حتّى يصير ذلك له
طبعا و يتيسّر عليه، فيصير نفسه جوادا، و كذلك من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع
و غلب عليه التكبّر فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدّة مديدة، و هو فيها
مجاهد نفسه و متكلّف إلى أن يصير ذلك له خلقا و طبعا فيتيسّر عليه، و جميع الأخلاق
المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق و غايتها أن يصير الفعل الصّادر منه لذيذا فالسخيّ
هو الّذي يستلذّ بذل المال دون الّذي يبذله عن كراهة، و المتواضع هو الّذي يستلذّ
التواضع، و لن يترسّخ الأخلاق الدّينيّة في النفس ما لم تتعوّد جميع العادات
الحسنة و لم يترك جميع العادات السيّئة، و ما لم يواظب عليها مواظبة من يشتاق معها
إلى الأفعال الجميلة و يتنعّم بها، و يكره الأفعال القبيحة و يتألّم بها كما قال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «جعلت قرّة عيني في الصّلاة»[1] و مهما
كانت العبادات و ترك المحظورات مع كراهية و استثقال فهو النقصان و لا ينال كمال
السعادة به، نعم المواظبة عليه بالمجاهدة خير و لكن بالإضافة إلى تركه لا بالإضافة
إلى فعله عن طوع، و لذلك قال تعالى: إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى
الْخاشِعِينَ[2] و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اعبد اللّه في
الرّضا فان لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير»[3].
ثمّ لا يكفي في نيل السعادة الموعودة على
حسن الخلق استلذاذ الطاعة و استكراه المعصية في زمان دون زمان، بل ينبغي أن يكون
كذلك على الدّوام، و في جملة العمر، و كلّما كان العمر أطول كانت الفضيلة أرسخ و
أكمل، و لذلك لمّا سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن السعادة فقال:
«طول العمر في طاعة اللّه»[4]، و لذلك كره الأنبياء و الأولياء
عليهم السّلام الموت فإنّ الدّنيا مزرعة الآخرة، كلّما كانت العبادات أكثر لطول
العمر كان الثواب أجزل، و النفس أزكى و أطهر، و الأخلاق أقوى
[1] أخرجه النسائي و أبو داود من حديث أنس
و قد تقدم، و في الكافي ج 5 ص 321.