نام کتاب : المحجة البيضاء نویسنده : الفيض الكاشاني جلد : 2 صفحه : 89
العشر قليل من كثير و
أنّه قد قنع لنفسه بأخسّ درجات البذل كما ذكرنا في فهم الوجوب، فهو جدير بأن
يستحيي منه فكيف يستعظمه و إن ارتقى إلي الدرجة العليا فبذل كلّ ماله أو أكثره
فليتأمّل أنّه من أين له المال و إلى ما ذا يصرفه، فالمال للَّه و له المنّة عليه
إذ أعطاه، ثمّ وفّقه لبذله فلم يستعظم في حقّ اللّه ما هو عين حقّ اللّه سبحانه و
إن كان مقامه يقتضي أن ينظر إلى الآخرة و أنّه يبذله للثواب فلم يستعظم بذل ما
ينتظر عليه أضعافه، و أمّا العمل فهو أن يعطيه عطاء الخجل من بخله بإمساكه بقيّة
ماله عن اللّه فيكون هيئته في الانكسار و الحياء كهيئة من يطالب بردّ وديعة فيمسك
بعضها و يردّ البعض لأنّ المال كلّه للَّه و بذل جميعه هو الأحبّ عند اللّه و
إنّما لم يأمر به عبده لأنّه يشقّ عليه بسبب بخله كما قال تعالى: «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا»[1].
الوظيفة السابعة أن
ينتقي من ماله أجوده
و أحبّه إليه و أجلّه و
أطيبه فإنّ اللّه طيّب لا يقبل إلّا طيّبا، و إذا كان المخرج من شبهة فربّما لا
يكون ملكا له طلقا فلا يقع الموقع و في بعض الأخبار «طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه
من غير معصية»[2] و إذا لم يكن المخرج من جيّد المال
فهو من سوء الأدب إذ يمسك الجيّد لنفسه أو لعبده أو أهله فيكون قد آثر على اللّه
غيره و لو فعل هذا بضيفه و قدّم إليه أردى طعام في بيته لأوغر به صدره، هذا إن كان
نظره إلى اللّه و إن كان نظره إلى نفسه و ثوابه في الآخرة فليس بعاقل من يؤثر غيره
على نفسه، و ليس له من ماله إلّا ما تصدّق فأبقى أو أكل فأفنى و الّذي يأكله قضاء
و طرفي الحال، فليس من العقل قصور النظر على العاجلة و ترك الادّخار، و قد قال
تعالى: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا
لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ
لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»[3] أي ما لا تأخذونه إلّا مع كراهية و حياء، و هو معنى الإغماض، فلا
تؤثروا به ربّكم و في الخبر «سبق درهم مائة ألف درهم»[4] و ذلك بأن يخرجه الإنسان و هو من أجلّ ماله و أجوده فيصدر ذلك عن
الرضا و الفرح بالبذل، و قد يخرج مائة ألف درهم ممّا يكره من ماله