وقوع معاصي الكافر على
وجوه من القبح يقتضي عظم موقعها في الإثم و استحقاق دوام العقاب و إن لم يجب ذلك
فيمن ليس بكافر، و يكون كونه كافرا دليلا على ذلك لا مؤثّرا فيه.
و هذا قد ذكرناه من قبل، و
قلنا: إنّ هذا كما نقوله في أنّ كلّ طاعة تقع من النبيّ أكثر ثوابا ممّا نفعله
نحن، لأنّ نبوّته تؤثّر في ذلك. فانّ النبوّة لا أثر لها فيه و إنّما تدلّ عليه،
فلا يلزم أن يستحقّ عليه السلام الثواب على المباحات.
القول فيما يقال إنّه
يزيل المستحقّ من المدح و الثواب و الذمّ و العقاب.
نذكر أوّلا الخلاف فيه،
ثمّ نذكر الصحيح الذي نذهب نحن إليه و ندل عليه إن شاء اللّه تعالى.
ذهبت المعتزلة الى أنّ
الندم على الطاعة يزيل ثوابها و المدح المستحقّ بها و كذلك المعصية التي يزداد
عقابها على ثواب الطاعة يزيل ثواب الطاعة و المدح المستحق بها، إمّا بطريق الإحباط
المحض أو بطريق الموازنة، و بأن الندم على المعصية الذي هو توبة عنها بشروطها يزيل
عقاب المعصية و الذمّ عليها. و كذلك الطاعة التي يزداد ثوابها على عقاب المعصية
يزيل عقاب المعصية و الذمّ المستحقّ عليها، إمّا بطريق التكفير المحض أو بطريق
الموازنة على ما ذكرناه عنهم فيما يزيل الثواب.
و ذهب البصريّون منهم إلى
أنّ عفو اللّه تعالى المالك للعقاب يسقط العقاب و أنّه[1] حسن جائز وقوعه عقلا، و لكنّ السمع منع من وقوعه.
و ذهب البغداديّون منهم
إلى أنّ العفو قبيح لا يجوز وقوعه عقلا، و السمع أكّد ذلك و ورد بأنّه لا يقع.