لمّا ذكرنا وجوب النظر و
أنّ جهة وجوبه الخوف من إهماله و تركه و الرجاء لزوال ما يخاف منه بفعله: ضرر
العقاب، و أشرنا إلى أسباب هذا الخوف و الرجاء، و قلنا إن من جملتها إخطار اللّه
تعالى ببال المكلّف ما يخوّفه من ترك النظر و يرجّيه زوال ما يخافه بفعله؛ وجب أن
نبيّن حقيقة الخاطر و ما يتضمّنه، و قد اختلفوا فيهما.
فحكي عن أبي عليّ أنّه
اعتقاد أو ظنّ، و ذهب أبو هاشم إلى أنّه كلام خفيّ يفعله اللّه تعالى أو ملك داخل
سمع المكلّف، كالوسوسة و كما يكلّم المرء نفسه.
فأمّا ما يتضمّنه، فانّ
أبا عليّ لم يوجب التنبيه على أمارة الخوف بل قال:
يكفي أن يخطر الإنسان و
يلقى إليه: لا نأمن إن لم ننظر ان نستحقّ العقاب، و لكنه أوجب التنبيه على مراتب
الأدلة و أمّا أبو هاشم فانّه قال: لا بدّ من أن يتضمّن الخاطر أمارة الخوف من ترك
النظر، لأنّ الخوف من دون أمارة يكون من جنس خيالات أصحاب الجنون و السوداء فلا
يكون له حكم، ألا ترى أنّ العاقل لا يخاف من سقوط حائط محكم مستقيم غير مائل، و
إنّما يخاف من سقوط المائل من الحيطان. فعلى هذا إنما يخاف العاقل ضرر العقاب في
ترك النظر و يرجو عدم ضرر العقاب بفعل النظر خوفا و رجاء معتدّا بهما، بحيث يكون
لهما