قلنا: قد ذكر القاضي أنّه
لا يولّد الجهل، و إنّما الجهل شيء يفعله المتمسّك بالشبهة ابتداء، إذ لا علقة
بين الشبهة و بين المجهول.
و لقائل أن يقول: النظر في
الدليل إنّما ولد العلم، لعلم الناظر بتعلّق الدليل بالمدلول حتى لو تعلّق الدليل
بالمدلول و لم يعلم الناظر تلك العلقة لم يولّد نظره العلم. و المتمسّك بالشبهة قد
اعتقد أنّ بين من تمسّك به من الشبهة و بين المجهول علقة و جزم على ذلك الاعتقاد و
إذا كان كذلك وجب أن يولّد نظره فيها الجهل.
يبين ما ذكرناه أنّ من
اعتقد أنّه تعالى موجود، و رتّب اعتقاده هذا على اعتقاده الجازم بأنّ كلّ موجود
يصحّ أن يرى، لا بدّ من أن يعتقد أنّه تعالى يصحّ أن يرى، و لا يمكنه الانصراف عن
هذا الاعتقاد إلّا بأن يضطرب عنده أحد الأصلين. أمّا اعتقاد وجوده أو اعتقاد أنّ
كلّ موجود يصحّ أن يرى أمّا مع جزمه على الاعتقادين يستحيل أن لا يعتقد صحّة كونه
تعالى مرئيّا.
فإن قال: فما بالنا ننظر
فى شبه المخالفين و لا يحصل لنا الجهل الذي حصل لهم.
قلنا: لأنّا نعتقد تعلّق
تلك الشبهة بالمجهول، و بيانه في المثال الذي ضربناه أنا لا نعتقد أنّ كل موجود
يصحّ أنّ يرى بل نعلم خلافه، فكيف يصحّ أن يقال: نظرنا في شبههم، كنظرهم.
إلّا أنّه يتوجّه على هذا
إشكال، و هو أنّه إذا كان في الأنظار ما يولّد الجهل فالناظر قبل أن يولد نظره
العلم يجوز أن يولّد الجهل، فيلزم على هذا قبح الأنظار، و قد ادّعيتم أنّا نعلم
حسن الأنظار ضرورة.
و حلّ الإشكال على ما ذكره
صاحب «الفائق» أنّه لا بدّ من أن يخطر اللّه تبارك و تعالى ببال الناظر ما يجعله
مضطربا في شبهته، فيمنع اضطرابه ذلك من توليد نظره الجهل، فعلى هذا من ينظر في
شيء عند اشتباه أمر عليه و لا يكون مضطربا فيما ينظر فيه، فانّه يعلم حسنه و يسلم
علمه بحسنه و يأمن من توليد نظره الجهل، و هذا قريب.