و قال هرقل: السماء كرة
متحركة من ذاتها. و الأرض مستديرة ساكنة جامدة بذاتها. و الشمس حللت كل ما فيها من
الرطوبة فاجتمعت فيها، فصار البحر، و الذي حجرت الشمس و نفذت فيه حتى لم تذر فيه
شيئا من الرطوبة صار منه:
الحصى، و الحجارة، و
الجبل، و ما لم تنفذ فيه الشمس أكثر، و لم تنزع عنه الرطوبة كلها، فهو التراب.
و كان يقول: إن السماء في
النشأة الأخرى تصير بلا كواكب، لأن الكواكب تهبط سفلا حتى تحيط بالأرض و تلتهب،
فيصير متصلا بعضها ببعض، حتى تكون كالدائرة حول الأرض، و إنما يهبط منها ما كان من
أجزائها نارا محضة، و يصعد منها ما كان نورا محضا، فتبقى النفوس الشريرة الدنسة
الخبيثة في هذا العالم الذي أحاط به النار إلى الأبد في عقاب السرمد. و تصعد
النفوس الشريفة الخالصة الطيبة إلى العالم الذي تمحض نورا و بهاء و حسنا في ثواب
السرمد، و هناك: الصور الحسان لذات للبصر، و الألحان الشجية لذات للسمع، و لأنها
أبدعت بلا توسط مادة و تركب أسطقسات فهي جواهر شريفة روحانية نورانية، و قال: إن
الباري تعالى يمسح تلك الأنفس في كل دهر مسحة فيتجلى لها حتى تنظر إلى نوره المحض
الخارج من جوهره الحق، فحينئذ يشتد عشقها و شوقها و نورها و مجدها، فلا تزال كذلك
دائما أبد الأبد.
خالف الأوائل في الأوائل.
قال: المبادي اثنان[2]:
الخلاء، و الصورة. أما
[1] ولد أبيقور في شامس
سنة 341- 342 ق. م. و تربى تربية ذاتية- و هو يفخر بهذا كثيرا، و لو اننا لا
نستطيع أن نصدق هذا القول على علاته، و لكنه استطاع أن يتثقف بنفسه، و يعرف كثيرا
من المذاهب السابقة بالقدر الذي يقضي به منطق فلسفته، و الغاية من الفلسفة عنده.
ثم انتقل إلى أثينا، و هناك أقام مدرسة في حديقته المشهورة باسم «حديقة أبيقور» و
ظل يدرس فيها حوالي ست و ثلاثين سنة و توفي سنة 270 ق. م. أما أتباعه فليسوا
مشهورين لأنهم جميعا لم يفعلوا شيئا يعتد به في إقامة الفلسفة الأبيقورية. و
الشخصية التي تستحق الذكر من بين هؤلاء الأبيقوريين هو الشاعر اللاتيني المشهور
لوكريتوس. (موسوعة الفلسفة 1: 81- 82).
[2] رأى أبيقور أن
المبادي أو المادة الأولية هي الذرات التي تتركب منها سائر الأجسام، و أصل ثان-