و ما كان منها جاسيا[1] غليظا لحق بعالمه أيضا، و كل جاس إذا
انحل فإنما يرجع حتى يصل إلى ألطف من كل لطيف فإذا لم يبق من اللطافة شيء اتحد
باللطيف الأول المتّحد به، فيكونان متحدين إلى الأبد، و إذا اتحدت الأواخر
بالأوائل، و كان الأول هو أول مبدع ليس بينه و بين مبدعه جوهر آخر متوسط، فلا
محالة أن ذلك المبدع الأول متعلق بنور مبدعه، فيبقى خالدا دهر الدهور. و هذا الفصل
أيضا قد نقل عنهم و هو يتعلق بالمعاد لا بالمبدإ، و هؤلاء يسمون مشائي أقاديما. و
أما المشاءون المطلق فهم أهل لوقيون، و كان أفلاطون يلقن الحكمة ماشيا تعظيما لها.
و تابعه على ذلك
أرسطوطاليس، و يسمى هو و أصحابه المشائين. و أصحاب الرواق[2] هم أهل المظال. و كان لأفلاطون تعليمان: تعليم كليس[3]؛ و هو الروحاني الذي لا يدرك بالبصر و
لكن بالفكرة اللطيفة، و تعليم طاليس، و هو الهيولانيات.
كان يقول: إن الباري تعالى
هو النور الحق الذي لا يدرك من جهة عقولنا؛ لأنها أبدعت من ذلك النور الأول الحق،
و هو اسم اللّه حقا و هو اسم اللّه باليونانية حقا.
إنها تدل عليه، إنه مبدع
للكل، و هذا الاسم عندهم شريف جدا.
و كان يقول: إن بدء الخلق،
و أول شيء أبدع، و الذي هو أول لهذه العوالم، هو المحبة و المنازعة، و وافق في
هذا الرأي أنباذقليس حيث قال: الأول الذي أبدع هو المحبة و الغلبة.
[1] الجاسي: اللطيف، و
يد جاسية: يابسة العظام قليلة اللحم. (اللسان مادة جسا).
[2] المشاءون و أصحاب
الرواق. (انظر ص 60 ج 2 و 3 من الكتاب).
[3] لأفلاطون كتب كثيرة
جعلها أقوالا يحكيها عن قوم، و يسمي كل كتاب منها باسم المصنف له، و يظهر أن كليس،
محرفة عن تااجيس، و هو كتاب في الفلسفة. (الفهرست لابن النديم ص 344).
[4] هرقل، أو إيرقليس
الهادي: من حكماء اليونان، و ممن عني في نفع الناس و اجتهد في ذلك. (عيون الأنباء
1: 18).