أحدهما: اضطراري، و ذلك من
حيث المزاج المستمد لقبول النفس.
و الثاني: اختياري، و ذلك
من حيث الاجتهاد المؤثر في رفع الحجب المادية.
و تصقيل النفس عن الصدأة
المانعة لارتسام الصور المعقولة، حتى لو بلغ الاجتهاد إلى غاية الكمال: تساوت
الأقدام، و تشابهت الأحكام. فلا يتفضل بشر على بشر بالنبوة، و لا يتحكم أحد على
أحد بالاستتباع.
أجابت الحنفاء:
بأن التماثل و التشابه في
الصور البشرية و الإنسانية مسلم لا مرية فيه. و إنما التنازع بيننا في النفس، و
العقل قائم. فإن عندنا النفوس و العقول على التضاد و الترتب.
و علينا بيان ذلك على مساق
حدودكم، و مساق أصولنا.
فقولكم إن النفس جوهر غير
جسم هو كمال الجسم، محرك له بالاختيار. و ذلك إذا أطلق النفس على الإنسان و الملك،
و هو كمال جسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة.
و إذا أطلق على الإنسان و
الحيوان، فقد جعلتم لفظ النفس من الأسماء المشتركة.
و ميزتم بين النفس
الحيواني، و النفس الإنساني، و النفس الملكي. فهلا زدتم فيه قسما ثالثا و هو النفس
النبوي حتى يتميز عن الملكي، كما تميز الملكي عن الإنساني؟ فإن عندكم المبدأ
النطقي للإنسان بالقوة، و المبدأ العقلي للملك بالفعل. فقد تغايرا من هذا الوجه. و
من حيث إن الموت الطبيعي يطرأ على الإنسان، و لا يطرأ على الملك، و ذلك تمييز آخر،
فليكن في النفس النبوي مثل هذا الترتيب.
و أما الكمال الذي تعرّضتم
له فإنما يكون كمالا للجسم إذا كان اختيار المحرك محمودا. فأما إذا كان اختياره
مذموما من كل وجه صار الكمال نقصانا. و حينئذ يقع التضاد بين النفس الخيرة و النفس
الشريرة، حتى تكون إحداهما في جانب الملكية، و الثانية في جانب الشيطانية، فيحصل
التضاد المذكور، كما حصل الترتب المذكور.
فإن الاختلاف بالقوة و
الفعل اختلاف بالترتب. و الاختلاف بالكمال و النقص و الخير و الشر اختلاف بالتضاد،
فبطل التماثل.
و لا تظنّن أن الاختلاف
بين النفسين الخيرة و الشريرة اختلاف بالعوارض، فإن