و منهاجه، و يضيء على
البرية مدى الدهر سراجه. و العلم بالتوارث، و ليست النبوة بالتوارث، و الشريعة
تركة الأنبياء، و العلماء ورثة الأنبياء[1].
قالت الصابئة:
الناس متماثلة في حقيقة
الإنسانية و البشرية، و يشملهم حد واحد، و هو الحيوان الناطق المائت. و النفوس و
العقول متساوية في الجوهرية؛ فحد النفس بالمعنى الذي يشترك فيه الإنسان و الحيوان
و النبات أنه كمال جسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة.
و بالمعنى الذي يشترك فيه
الإنسان و الملك أنه جوهر غير جسم، هو كمال الجسم، محرك له بالاختيار عن مبدأ نطقي،
أي عقلي، بالفعل أو بالقوة. فالذي بالفعل هو خاصة النفس الملكية. و الذي بالقوة هو
فضل النفس الإنسانية.
و أما العقل[2] فقوة أو هيئة لهذه النفس، مستعدة
لقبول ماهيات الأشياء مجردة عن المواد و الناس في ذلك على استواء من القدم. و إنما
الاختلاف يرجع إلى أحد أمرين.
[1] و هذا من حديث
مطول، عن أبي الدرداء أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: من سلك طريقا يطلب فيه
علما سهل اللّه له طريقا إلى الجنة، و إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا بطالب العلم،
و إن العالم ليستغفر من في السموات و من في الأرض. و فضل العالم على العابد كفضل
القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، و إن العلماء ورثة الأنبياء و إن الأنبياء لم
يورثوا دينارا و لا درهما، و إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. و شاهد
وراثة العلماء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة فاطر: الآية 32: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ
عِبادِنا.
[2] و العقل الذي يذكره
أرسطو في كتاب البرهان فإنه إنما يعني به قوة النفس التي بها يحصل للإنسان اليقين،
لا عن قياس و لا عن فكر، بل بالفطرة و الطبع.
و أما العقل الذي يذكره
في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق، فإنه يريد به جزء النفس.
و أما العقل الذي يذكره
في كتاب «النفس» فإنه جعله على أربعة أنحاء: عقل بالقوة، و عقل بالفعل، و عقل
مستفاد، و عقل فعال.
و أما العقل الفعال الذي
ذكره في «المقالة الثالثة» من «كتاب النفس» هو صورة مفارقة لم تكن في مادة و لا
تكون أصلا و هو بنوع ما عقل بالفعل قريب الشبه من العقل المستفاد، بل هو نوع من
العقل المستفاد و صور الموجودات هي فيه لم تزل و لا تزال، إلا أن وجودها فيه على
غير الترتيب الذي هي موجودة عليه في العقل الذي هو بالفعل. (من مقالة للفارابي في
العقل).