responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 85

[فصل لم كان طلب الرفعة مذموما]

لعلك تقول: فإذا كان كذلك، فلم كان طلب الرفعة مذموما و هو من نتائج العقل و خواص الروح المناسبة للأمور الربانية؟.

فاعلم أن الرفعة الحقيقية طلبها محمود غير مذموم، إذ مطلوب الكل هو القرب من اللّه تعالى، و ذلك هو الرفعة و الكمال إذ هو عزّ لا ذل فيه، و غنى لا فقر معه، و بقاء لا فناء بعده، و لذة لا كدورة لها؛ و طلب ذلك محمود؛ و إنما المذموم طلب الكمال الوهمي دون الحقيقي، و الكمال الحقيقي يرجع إلى العلم و الحرية و القدرة؛ و هو أن لا يكون مقيدا بغيره. و لا يتصور للعبد حقيقة القدرة، فإن قدرته إنما تكون بالمال و الجاه، و ذلك كمال وهميّ، فإنه أمر عارض لا بقاء له، و لا خير فيما لا بقاء له، بل قيل:

أشدّ الغمّ عندي في سرور

 

تيقّن عنه صاحبه انتقالا

 

كيف، و هذه القدرة العارضة مع سرعة انقضائها بالموت و بآفاتها قبله، لا تصفو من الكدورات! فمن توهمها كمالا فقد زل، بل الكمال في الباقيات الصالحات التي تنال بها القرب من اللّه سبحانه، و لا تزول بالموت، بل تتضاعف تضاعفا غير محدود. و ذلك هو المعرفة الحقيقية بذات اللّه تعالى، و صفاته و أفعاله، و هو العلم بكل الموجودات؛ إذ ليس في الوجود إلا اللّه تعالى و أفعاله. لكن قد ينظر فيها الناظر لا من حيث إنها أفعال اللّه تعالى، كالذي ينظر في التشريح لغرض الطب، أو ينظر في هيئة العالم لمعرفة الاستدلال بأحكام النجوم، فهذا لا قدر له. و من الكمال الحقيقي الحرية، و هو انقطاع علاقتك عن جميع علائق الدنيا، بل عن كل ما يفارقك بالموت، و الاقتصار في الالتفات إلى لازمك الذي لا بدّ لك منه، و هو اللّه تعالى. كما أوحى اللّه إلى داود: «يا داود! أنا بدّك‌ [1] اللازم فالزم بدّك». فالعلم و الحرية من الباقيات الصالحات، و هما كمالان حقيقيّان؛ و المال و البنون زينة الحياة الدنيا، و هما كمالان وهميان.

و المنكوسون هم الذين عكسوا الحقيقة، فأعرضوا عن طلب الكمال الحقيقي، و اشتغلوا بطلب الكمال الوهميّ، و هم الذين يحترقون عند الموت بنيران الحسرة إذ يشاهدون‌


[1] بدّ بكسر الباء: المثيل و النظير، و بدّ بضمها: العوض أو النصيب.

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 85
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست