نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 84
فقد عرفت بهذا مذمة الشهرة
و الجاه إلا أن يشهر اللّه عبدا في الدين من غير طلب منه كما يشهّر الأنبياء و
الخلفاء الراشدين و العلماء و الأولياء.
[فصل حقيقة الجاه هي
ملك القلوب لتتسخر لذي الجاه على حسب مراده]
حقيقة الجاه هي ملك القلوب
لتتسخر لذي الجاه على حسب مراده، و تطلق اللسان بالثناء عليه، و تسعى في حاجته. و
كما أن معنى المال ملك الدراهم ليتوصل بها إلى الأغراض، كذلك معنى الجاه ملك
القلوب، لكن الجاه أحب، لأن التوصل به إلى المال أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه،
و لأنه محفوظ من أن يسرق و يغصب أو تعرض له الآفة، و لأنه يسري و ينمو من غير
تكلف؛ فإن من ملك قلبه باعتقاد التعظيم، فلا يزال يثني و يقتنص قلوب سائر الناس
لصاحبه. و فيه سرّ آخر، و هو أن الجاه معناه العلوّ و الكبرياء و العز، و هي من
الصفات الإلهية، و الصفات الإلهية محبوبة للإنسان بالطبع؛ بل هي ألذّ الأشياء
عنده؛ و ذلك لسرّ خفي في مناسبة الرّوح للأمور الإلهية، و عنه العبارة بقوله
تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
[الإسراء: 85]. فهو أمر رباني شغفه من حيث الطبع للاستبداد و الانفراد بالوجود. و
هو حقيقة الإلهية؛ إذ ليس مع اللّه موجود، بل الموجودات كلها كالظل من نور القدرة،
فلها رتبة التبعية لا رتبة المعيّة. فليس في الوجود مع اللّه غيره. و كان الإنسان
يشتهي ذلك، بل في كل نفس أن يقول أنا ربّكم الأعلى، لكن أظهره فرعون و أخفاه غيره.
و لكن إن فاته الانفراد بالموجود، فيشتهي أن لا يفوته الاستعلاء و الاستيلاء على
الموجودات كلها، ليتصرف فيها على حسب مراده و هو الإلهية. لكن تعذر على الإنسان
ذلك في السموات و الكواكب و البحار و الجبال، فاشتهى الاستيلاء على جميعها بالعلم،
لأن العلم نوع استيلاء أيضا، كما أن من عجز عن وضع الأشياء العجيبة، فيشتهي أن
يعرف كيفية الوضع. و كذلك يشتهي أن يعرف عجائب البحر و ما تحت الجبال، و يتصور أن
يتسخر له الأعيان التي على وجه الأرض من الحيوان و المعادن و النبات. فيحبّ أن
يتملكها و يقوّلها و يتصور أن يتسخر له الإنسان، فيحب أن يتسخره بواسطة قلبه. و
يملك قلبه بإلقاء التعظيم فيه. و يحصل التعظيم بأن يعتقد فيه كمال الخصال، فإن
الإجلال يتبع اعتقاد الكمال، فلهذا يحب الإنسان أن يتسع جاهه و ينتشر صيته حتى إلى
البلاد التي يعلم قطعا أنه لا يطؤها و لا يرى أهلها، لأن كل ذلك يناسب صفات
الربوبية. و كلما صار أعقل، كانت هذه الصفة عليه أغلب، و شهواته البهيمية فيه
أضعف.
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 84