نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 27
الخامس: أن يركب راحلة دون
المحمل، و يكون رث الهيئة أشعث أغبر، غير متزين، بل على هيئة المساكين، حتى لا
يكتب في جملة المترفين.
السادس: أن ينزل عن الدابة
أحيانا ترفيها للدابة و تطييبا لقلب المكاري، و تخفيفا للأعضاء بالتحرك، و لا
يحمّل الدابة ما لا تطيق، بل يرفق بها ما أمكن.
السابع: أن يكون طيب النفس
بما أنفق من نفقة، و بما أصابه من تعب و خسران، و أن يرى ذلك من آثار قبول الحج
فيحتسب الثواب عليه.
و أما أسراره فكثيرة نرمز
منها إلى فنّين: أحدهما أنه وضع بدلا عن الرّهبانية التي كانت في الملل كما ورد به
الخبر؛ فجعل اللّه سبحانه الحج رهبانية لأمة محمد صلى اللّه عليه و سلم.
فشرف البيت العتيق، و
أضافه إلى نفسه، و نصبه مقصدا لعباده و جعل ما حواليه حرما لبيته تفخيما لأمره، و
جعل عرفات كالميدان على فناء حرمه، و أكد حرمة الموضع بتحريم صيده و شجره، و وضعه
على أمثال الملوك ليقصده الزوار من كل فج عميق، ضعفاء غبرا[1]، متواضعين لرب العالمين، خضوعا لجلاله، و استكانة لعزته، مع
الاعتراف بتنزهه عن أن يكتنفه بيت، أو يحويه مكان، ليكون ذلك أبلغ في رقهم و
عبوديتهم. و لذلك كلفهم أعمالا غريبة لا تناسب الطبع و العقل، ليكون إقدامهم بحكم
محض العبودية، و امتثال الأمر من غير معاونة باعث آخر. و هذا سر عظيم في
الاستعباد، و لذلك قال صلى اللّه عليه و سلم: «لبّيك بحجّة حقّا و تعبّدا و رقّا».
الفن الثاني: أن هذا السفر
وضع على مثال سفر الآخرة، فليتذكر المريد بكل عمل من أعماله أمرا من أمور الآخرة
موازيا له، فإن فيه تذكرة للمتذكر، و عبرة للمعتبر المستبصر. فتذكر من أول سفرك
عند وداعك أهلك، وداع الأهل في سكرات الموت، و من مفارقة الوطن الخروج من الدنيا،
و من ركوب الجمل ركوب الجنازة، و من الالتفاف في أثواب الإحرام الالتفاف في أثواب
الكفن، و من دخول البادية إلى الميقات ما بين الخروج من الدنيا إلى ميقات القيامة،
و من هول قطّاع الطريق سؤال منكر و نكير، و من
[1] غبر: جمع أغبر. و
كانت في الأصل غبراء و لعله تصحيف من الناسخ. و معنى أغبر ما لونه الغبرة و هي هنا
كناية عن التقشف و إذلال النفس.
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 27