نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد جلد : 1 صفحه : 147
يدّخر في إصلاحهم أمرا، و
هذا الآن بحر آخر في المعرفة، يحرّك أمواجه سرّ القدر الذي منع من ذكره المكاشفون،
و تحير فيه الأكثرون، و لا يعقله إلا العالمون، و لا يدرك تأويله إلا الرّاسخون. و
أن حظ العوام، أن يعتقدوا أن كل ما يصيبهم لم يكن ليخطئهم، و ما يخطئهم لم يكن
ليصيبهم. و أن ذلك واجب الحصول بحكم المشيئة الأزلية، و أنه لا رادّ لحكمه، و لا
معقّب لقضائه، بل كل صغير و كبير مستطر[1]، و حصوله بقدر معلوم منتظر، وَ ما
أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ
[القمر: 50].
الركن الثاني: حال
التوكل
؛ و معناه أن تكل أمرك إلى
اللّه عز و جل، و يثق به قلبك، و تطمئن بالتفويض إليه نفسك، و لا تلتفت إلى غير
اللّه أصلا؛ و يكون مثالك مثال من وكّل في خصومته في مجلس القاضي من علم أنه أشفق
الناس عليه، و أقواهم في كشف الباطل، و أعرفهم به، و أحرصهم عليه، فإنه يكون ساكنا
في بيته، مطمئن القلب غير متفكر في كل الخصومة، غير مستعين بآحاد الناس، لعلمه بأن
وكيله حسبه و كافيه في غرضه، و أنه لا يقاومه غيره.
فمن تحققت معرفته بأن
الرزق و الأجل و الخلق و الأمر بيد اللّه تعالى، و هو منفرد به لا شريك له، و أن
جوده و حكمته و رحمته لا نهاية لها و لا يوازيها رحمة غيره و جوده، و اتّكل قلبه
بالضرورة عليه، و انقطع نظره عن غيره؛ فإن لم ينقطع فلا يكون ذلك إلا لأحد أمرين:
أحدهما: ضعف اليقين بما
ذكرناه؛ و ضعف اليقين إنما يكون لتطرق شك إليه أو لعدم استيلائه على القلب. فإن
الموت يقين لا شك فيه، و لكنه إذ لا يستولي على القلب فهو كشكّ لا يقين فيه.
الأمر الثاني: أن يكون
القلب في الفطرة جبانا ضعيفا، فالجبن و الجرأة فطرتان، و الجبن يوجب كون النفس
مطيعة لأوهام لا شكّ في بطلانها، حتى قد يخاف الإنسان أن يبيت مع الميت في فراش،
أو في بيت، مع علمه بأن اللّه لا يحييه، و أن قدرته عليه كقدرته على أن يقلب في
يده العصا حيّة، و هو لا يخاف ذلك. بل قد يشبه العسل