تأملنا وجدنا أن الفعل اذا وقع على هذه الوجوه كلها كان قبيحا و
اذا زال عنه شيء من هذه القيود زال قبحه فقد دار القبح مع هذه الاعتبارات وجودا و
عدما فعلمنا أن قبح الظلم معلل بها فلو صدر عن اللّه تعالى لوجب أن يحكم بقبحه
لوجود علته (و لو صح) ما ذكر من أن الدوران يدل على علية المدار للدائر (دل على
علية المعلول) المساوى لعلته فان العلة دائرة معه وجودا و عدما و كونه علة لها
محال قطعا و كذا المشروط دائر كذلك مع الشرط المساوي و المعلول أيضا دائر مع الجزء
الاخير من العلة و ليس شيء من هذين المدارين علة لدائره فالاستدلال بالدوران على
العلية منقوض بهذه الصورة فان قلت كون المدار صالحا للعلية معتبر عندهم و ليس شيء
من المدارات التي ذكرتم صالحا لها فلا نقض قلت فليس الاستدلال بالدوران وحده و
أيضا كون تلك الوجوه مثلا صالحة لعلية القبح في العقل مما
(قوله و اذا زال الخ) بأن لا يكون اضرارا أو يكون اضرارا لاجل جنابة
سابقة أو لاجل عوض لاحق (قوله كون المدار صالحا للعلية) أي أن يكون باعثا لا مجرد
أمارة و معناه أن يكون مشتملا على حكمة مقصودة من شارع الحكم من تحصيل منفعة أو
دفع مفسدة (قوله و ليس شيء من المدارات الخ) أي ليس باعثا و ان كان أمارة و الا
لما كانت معلولا أو شرطا أو جزءا بل علة (قوله فليس الاستدلال الخ) أي القائلون
بأن الدوران دليل العلية يدعون بأن مجرده طريق اثبات العلية و لذا جعلوه مقابلا
للمناسبة التى هو أحد طرقه فلو اعتبر المناسبة معه لم يكن وحده من طرق الاثبات بل
مستدركا لان المناسبة طريق مستقل (قوله و أيضا الخ) أي القائلون بعلية الدوران قد
أثبتوا علية المدار في المثال المذكور بالدوران فلو اعتبروا في الدوران صلوح علية
المدار يرد عليهم ان صلوح الوجوه المذكورة للعلية محل بحث غاية ما في
(قوله و ليس شيء من هذين المدارين علة لدائره) لان العلة في
اصطلاحهم ما يؤثر في الحكم و قد يقال المقصود بالعلة هاهنا ما يستلزم الحكم
المقصود بالاثبات ففى صورة المساواة يحصل الاستلزام المقصود و في غيرها لا دوران
فلا الزام و ستجيء الاشارة الى هذا المعنى (قوله قلت فليس الاستدلال بالدوران
وحده) قيل عليه يدل هذا الكلام على ان صلوح العلية ليس بمعتبر في الدوران مع انهم
عرفوه بانه ترتب الشيء على ما له صلوح العلية و أجيب بمنع اعتباره في الدوران
الذي جعل الطرد بمعناه فان الطرد عندهم مجرد وجود الحكم عند وجود الوصف و قد دل
عليه كلام الشارح في تفسير الدوران و قد يقال لا شك في صلوح الامور المذكورة
للعلية عندنا ما لم يعلم الحال من الخصوصية فاذا اعتبر الخصوصية المذكورة لم يكن
الاستدلال بالدوران وحده فتأمل