و أما الإجماع فهو أن المسلمين في الصدر الأول و بعده كانوا يتواصون
بذلك، و يوبخون تاركه مع الاقتدار عليه. فإن استدل على نفي الواجب بقوله تعالى:يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ[1].
و بما روي عن عائشة (رضي اللّه عنها) أنها قالت: قلنا: يا رسول
اللّه، متى لا يؤمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر؟ قال: «إذاكان البخل في خياركم، و
إذا كان الحكم في رذالكم، و إذا كان الادهان في كباركم، و إذا كان الملك في
صغاركم»[3].
أجيب بأن المعنى: أصلحوا أنفسكم بأداء الواجبات و ترك المعاصي، و
بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لا يضركم بعد النهي عنادهم و إصرارهم على
المعصية أو لا يضر المهتدي إذا نهى ضلال الضال. و قوله:لا إِكْراهَمنسوخ بآيات القتال. على
أنه ربما يناقش في كون الأمر و النهي إكراها. و أما الحديث فلا يدل إلا على نفي
الوجوب عند فوات الشرط بلزوم المفسدة و انتفاء الفائدة. فإن من شرائط وجوب الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر علم الفاعل بوجههما من أنه واجب معين، أو مخير مضيق،
أو موسع. عين أو كفاية. و كذا في المنفى.
و بالجملة العلم بما يختلف باختلافه حال الأمر و النهي ليقعا على ما
ينبغي.
و منها تجويز التأثير بأن لا يعلم عدم التأثير قطعا لئلا يكون عبثا و
اشتغالا بما لا يعني.
فإن قيل:يجب- و إن لم يؤثر- إعزازا للدين.
قلنا:ربما تكون ذلك إذلالا. و منها انتفاء مضرة و مفسدة أكثر من ذلك
المنكر أو مثله. و هذا في حق الوجوب، دون الجواز. حتى قالوا: يجوز و إن ظن أنه
يقتل و لا ينكى نكاية بضرب و نحوه، لكن يرخص له السكوت. بخلاف