واجب آخر. إلا أنه قد لا يصح الندم بدونه، كرد المغصوب).
يعني يكفي التوبة عن المعاصي كلها الإجمال، و إن علمت مفصلة لحصول
الندم و العزم[1]. و ذهب بعض المعتزلة إلى أنه لا بد من الندم تفصيلا فيما علم مفصلا. و
رد بأنه مكلف بالتوبة في كل وقت مع امتناع اجتماع الذنوب الكثيرة في وقت واحد. فلو
لم يكف الإجمال، لزم تكليف ما لا يطاق.
قالوا: ثم إن كانت المعصية في خالص حق اللّه تعالى كالواجب، فقد يكفي
الندم، كما في ارتكاب الفرار من الزحف و ترك الأمر بالمعروف. و قد يفتقر إلى أمر
زائد، كتسليم النفس للحد في الشرب، و تسليم ما وجب في ترك الزكاة، و مثله في ترك
الصلاة. و إن تعلقت بحقوق العباد، لزم مع الندم إيصال حق العبد[2]، أو بدله إليه إن كان الذنب
ظلما، كما في الغصب، و القتل العمد.
و لزم إرشاده إن كان الذنب إضلالا له. و الاعتذار إليه إن كان إيذاء
كما في الغيبة. و لا يلزم تفصيل ما اغتابه به إلا إذا بلغه على وجه أفحش.
و التحقيق أن هذا الزائد واجب آخر خارج عن التوبة على ما قال إمام
الحرمين أن القاتل إذا ندم من غير تسليم نفسه للقصاص، صحت توبته في حق اللّه
تعالى، و كان منعه القصاص من مستحقه معصية متجددة تستدعي توبة. و لا يقدح في
التوبة عن القتل. ثم قال: و ربما لا يصح التوبة بدون الخروج من حق العبد، كما في
الغصب[3]، فإنه لا يصح الندم عليه مع
إدامة اليد على المغصوب، ففرق بين القتل و الغصب.
[المبحث الخامس عشر الامر بالمعروف و النهى عن المنكر]
قال: المبحث الخامس عشر (المبحث الخامس عشر- قد أطبق الكتاب و السنة
و الإجماع على وجوب الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر. فالمراد بالمعروف الواجب،
و المنكر الحرام. و إلا فالأمر بالمندوب، أو النهي عن المكروه ليس بواجب، بل
مندوب. و قوله تعالى:عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا
اهْتَدَيْتُمْ[4].