و اعترض: بأنا لا نسلم[1]أن
الخلو عن صفة الكمال نقص، و إنما يكون لو لم يكن حال الخلو متصفا بكمال، يكون
زواله شرطا لحدوث هذا[2]الكمال. و ذلك بأن يتصف دائما بنوع كمال[3]يتعاقب أفراده من غير بداية و نهاية! و يكون حصول كل لاحق مشروطا
بزوال السابق على ما ذكره الحكماء في حركات الأفلاك فالخلو عن كل فرد يكون شرطا
لحصول كمال آخر،[4]بل لاستمرار كمالات غير متناهية، فلا يكون نقصا.
و أجيب: بأن المقدمة إجماعية بل ضرورية، و السند مدفوع بأنه إذا
كان كل فرد حادث، كان النوع حادثا ضرورة، لأنه لا يوجد إلا في ضمن فرد. و بأن
الواجب[5]على ما ذكرتم لا يخلو عن الحادث، فيكون حادثا ضرورة. و بأنه في
الأزل يكون خاليا عن كل فرد ضرورة امتناع الحادث في الأزل فيكون ناقصا.
الثاني:و هو العمدة[6]عند
الحكماء أن الاتصاف بالحادث تغير و هو على اللّه تعالى محال.
و جوابه: أن اللازم من استحالة الانقلاب جواز الاتصاف في الأزل على
أن يكون في الأزل قيدا للجواز، و هو لا يستلزم إلا أزلية[7]جواز الحادث لا جواز الاتصاف في الأزل على أن يكون قيدا للاتصاف
ليلزم جواز أزلية الحادث، و لا خفاء في أن المحال جواز أزلية الحادث، بمعنى إمكان
أن يوجد في الأزل، لا أزلية جوازه، بمعنى أن يمكن في الأزل وجوده في الجملة.
و هذا كما يقال: إن قابلية الإله لإيجاد العالم متحققة في الأزل
بخلاف قابليته لإيجاد العالم في الأزل، أي يمكن في الأزل أن يوجده، و لا يمكن أن
يوجده في الأزل، و مبنى الكلام، على أن يعتبر[8]الحادث بشرط الحدوث، و إلا فلا خفاء في إمكان وجوده في الأزل.