قلنا: لأن شرط التكليف الفهم، و لا فهم للجماد حين هو جماد، ثم
الجمهور على أن النزاع إنما هو في الجواز و أما الوقوع فمنفي بحكم الاستقراء، و
بشهادة مثل قوله تعالىلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها[1]و بما ذكرنا يظهر أن كثيرا من التمسكات المذكورة في كلام الفريقين لم
ترد على المتنازع أما للمانعين فمثل قوله تعالىلا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها[2]فإنه
إنما ينفي الوقوع لا الجواز.
فإن قيل:ما علم اللّه أو أخبر بعدم وقوعه يلزم من فرض وقوعه محال، هو جهله أو
كذبه تعالى عن ذلك، و كل ما يلزم من فرض وقوعه محال، فهو محال ضرورة امتناع وجود
الملزوم بدون اللازم فجوابه منع الكبرى، و إنما يصدق لو كان لزوم المحال لذاته.
أما لو كان لعارض كالعلم أو الخبر فيما نحن فيه فلا، لجواز[3]أن يكون هو[4]ممكنا
في نفسه، و منشأ لزوم المحال هو ذلك العارض، و لعل لهذه النكتة في بعض كتبنا
تقريرا آخر و أما للمجوزين فوجوه: منها مثل قوله تعالىأَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ[5]و قوله تعالىفَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ[6]و ذلك لأنه تكليف تعجيز، لا تكليف تحقيق.
و منها أن فعل العبد بخلق اللّه تعالى و قدرته، فلا يكون بقدرة العبد
و هي معنى ما لا يطاق و ذلك لأن معنى ما لا يطاق أن لا يكون متعلقا بقدرة العبد، و
ما وقع التكليف به متعلق بقدرته، و إن كان واقعا بقدرة اللّه تعالى، و منها أن
التكليف قبل الفعل[7]و القدرة معه فلا يكون التكليف إلا بغير المقدور، و ذلك لأن القدرة
المعتبرة في التكليف هي سلامة الأسباب و الآلات لا الاستطاعة التي لا تكون إلا مع
الفعل و لو صح هذان الوجهان لكان جميع التكاليف تكليف ما لا يطاق، و ليس كذلك. و
منها أن من علم اللّه تعالى منه أنه لا يؤمن، بل يموت على الكفر مكلف بالإيمان
وفاقا، مع استحالته منه لأنه لو آمن لزم انقلاب علم اللّه تعالى جهلا.